طالما أن صناديق الانتخابات أتت بمرشح الإخوان، وأقرَّ القضاء فوزه، فلا يمكن إلا أن يقبله المصريون المؤيّدون والمعارضون على حد سواء، هذا هو ما تقوله ثقافة الانتخابات. غير أنك يجب أن تقبل أيضاً بمبدأ تداول السلطة، وهي أساس الديمقراطية الثاني. هذا يعني أن الوسيلة التي أوصلتك إلى الحكم يجب أن تكون وسيلة متاحة لمعارضيك عند انقضاء فترة تجربتك؛ هذه ألف باء الديمقراطية. وأنا بصراحة أشك في أن الإخوان سيقبلون بهذا المبدأ وإن اضطروا إلى قبوله تكتيكياً الآن؛ فالثورة والديمقراطية في أعرافهم مجرد (سلّم) أو وسيلة للوصول إلى القمة، وعندما يصلون سيقومون بتحطيم السلّم الذي وصلوا من خلاله إلى الحكم، لكي يبقوا في القمة منفردين. هذا ما فعله الخميني في إيران، وهذا ما فعله الحماسيون في غزة، وهو ما أتوقع أن يكرّره الإخوان في مصر.
الإخوان لديهم بلا شك قدرة متفوّقة على الحشد والتعبئة الجماهيرية، وإطلاق الشعارات التي تستقطب البسطاء من الجماهير، غير أن الإسلام السياسي المعاصر الذي خرج من تحت عباءة الإخوان لم يُجرب كما ينبغي على الأرض، وبالتالي فإن تجربتهم السياسية والاقتصادية تكاد تكون معدومة، أو أنها فاشلة، هذا إذا ما اعتبرنا تجربة الترابي والبشير في السودان، وكذلك تجربة طالبان الدموية في أفغانستان تجارب إسلامية.
مصر مُثقلة بالمعضلات الاجتماعية والخدمية والاقتصادية والطائفية وكذلك السياسية، وهذه القضايا المعقدة تحتاج إلى زمن ليس بالقصير لحلها، إضافة إلى جهابذة وأصحاب عقل وخبرة وتجربة، لكي يرسخوا أسس البناء أولاً، ثم ينطلقوا إلى زحزحة هذا الوطن ذي التسعين مليون نسمة من التخلف إلى النمو.
والسؤل: هل لديهم الآليات الموضوعية لتحقيق ما عجز عن تحقيقه العسكر؟ ربما أن الفارق الذي يفرقهم عن حكم العسكر، وبالذات حكم مبارك السابق، أنهم (لا يسرقون)؛ فهم أبعد الأطياف السياسية المتنافسة في مصر عن الفساد المالي والإداري؛ غير أن الأمانة، وإن كانت شرط ضرورة في الحكام، إلا أنها إطلاقاً لا يمكن أن تكون شرط كفاية، فالمشاكل المتنوّعة والمتجذّرة والمعقدة والمتداخلة أكبر وبكثير من أن يحلّها أناس رأس مالهم (فقط) الأمانة، في حين أن من زفّوهم إلى سِدة الحكم، يبحثون عن حلول لمشاكلهم، فإذا لم يستطيعوا أن يُقدّموا لهم الحلول فسوف يسقطونهم حتماً عند أول فرصة تتاح لإسقاطهم؛ فمبدأ تداول السلطة يقوم على هذا المنطق.
النقطة الثانية التي لا يمكن أن تغيب عن أي محلّل يقرأ فوز الإخوان قراءة موضوعية هي أن الكتلة الانتخابية في مصر كما تقول الأرقام خمسون مليون ناخب. حصل منها مرشح الإخوان في الجولة الأولى للانتخابات على خمسة ملايين صوت فقط، أي على 10% فقط من الكتلة الانتخابية، بينما ذهبت البقية (90%) إما إلى من أحجموا عن التصويت، أو إلى مرشحين آخرين.. وفي الجولة الثانية، لم يفُز مرسي إلا بأغلبية في منتهى الضآلة عن منافسه؛ وهذا يعني أن جزءاً كبيراً ممن صوّتوا لمرسي في الجولة الثانية صوّتوا له لا إيماناً وقناعة به، ولكن خوفاً من عودة النظام السابق الذي كان منافسه على علاقة به؛ وهذا لن يتوفر له في أية انتخابات قادمة بعد أربع سنين من اليوم.
غاية ما يجب أن يهتم به الجيش الآن هو منع الإخوان من أن يُحطّموا (السلّم) الذي صعدوا من خلاله إلى القمة السياسية، ويستأثروا بالحكم بالقوة، من خلال إنشاء حرس (إخواني) مسلح على غرار (الحرس الثوري) الإيراني، أو على غرار ميليشيات حماس في غزة، وهذا على الأرجح هو ما سوف يسعون إلى إنشائه بأية طريقة، لأنها هي الطريقة الوحيدة لإبقائهم حكاماً لمصر؛ فإذا استطاع الجيش منعهم من الاستئثار بالحكم بالقوة فإن حكمهم لمصر لن يزيد عن فترة واحدة، والفشل هو ما سوف ينتظرهم في الانتخابات القادمة في تقديري.
إلى اللقاء.