شاءت إرادة الله أن يكون البقاء والخلود لوجهه الكريم، وإن كل نفس ذائقة الموت. لقد فجعت المملكة العربية السعودية في أقل من عام بحدثين جللين هما وفاة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز وصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز غفر الله لهما وتغمدهما بواسع رحمته وأسكنهما فسيح جناته. وكلا المصابين خطب جلل لمكانة الرجلين في الأسرة المالكة وما يكنه الشعب السعودي لكل منهما من حب وتقدير واحترام ولما قدمه كل منهما لوطنه وأمته من عطاء.
ويزيد المصاب جسامة وتأثيراً لكون كل منهما ولياً للعهد بالإضافة إلى العديد من المناصب والمهام الأخرى. وولاية العهد منصب مهم جداً في تماسك الحكم وتدعيم أركانه، ومن الضروري ألا يكون ذلك المنصب شاغراً، وفي كل مرة يشغر ذلك المنصب ولو لفترة وجيزة تتعالى بعض الأصوات المرجفة والأقلام الجاهلة بأوضاع الحكم في المملكة مشككة بحصول مشاكل في إشغال المنصب، والاختيار السريع والمناسب لمن هو أهل له، وفي كل مرة يثبت الحكم السعودي بأن اتكاله على الله وحنكته في السياسة، وتماسكه وتعاضده وتشاوره، وإرادته القوية، وتقديم المصالح العليا على المصالح الشخصية كانت تحوز السبق، وتحسم الأمور.
توفي سمو الأمير سلطان وخلفه أخوه سمو الأمير نايف رحمهما الله، وتوفي الأمير نايف وخلفه أخوه الأمير سلمان وكما يقول الشاعر العربي:
إذا مات منا سيد قام سيد
قؤول لما قال الكرام فعول
كل ذلك بسرعة وبحسم أثبتت به قيادة المملكة أنها تعي وتدرك كافة الظروف المحيطة، وأنها تملك زمام المبادرة لمعالجة المواقف مهما عظمت، وبالطرق التي تتمشى مع ما قام عليه الحكم في هذه البلاد من عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله وأسكنه فسيح جناته- وإلى هذا العهد الزاهر، عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أمدّ الله في عمره ومنحه الصحة والعافية ووفقه إلى تحقيق ما يصبوا إليه من عزة وتقدم واستقرار لهذه البلاد وشعبها.
لقد جاء اختيار صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للدفاع من قبل جلالة الملك -حفظه الله- ليضع الرجل المناسب في المكان المناسب، فالأمير سلمان بحكم تجربته الطويلة التي مارسها طيلة عمله أميراً لمنطقة الرياض، ومستشاراً ومرافقاً لملوك المملكة السابقين وأولياء العهد بها، وما اكتسبه من خبرة واسعة ليس في المجال الوطني والمحلي، بل وفي مجالات السياسة الدولية، والسياسة الاقتصادية والاجتماعية، والمالية.
لقد عُرف الأمير سلمان بسعة اطلاعه ومتابعته للأحداث المحلية والعربية والعالمية، وعرف عنه جولاته المتعددة، وحضوره للمؤتمرات والندوات العالمية، ومشاركته في اللقاءات والندوات المحلية والدولية، كما عرف عن الأمير سلمان التزامه بالمواعيد وحرصه على الوقت واحترامه وتقديره له، لقد كان ولا يزال قدوة للموظف الملتزم والمخلص والأمين، وقد عوّد كل العاملين معه والمتعاملين مع أجهزته على ذلك. كما اتصف بسياسة الباب المفتوح التي أصبحت سمة طيبة وممتازة لهذه البلاد وللحكام بها لدى جميع دول العالم، تلك السياسة التي تتيح للمواطن والمراجع أياً كان مقابلة أعلى مسؤول في الجهاز وعرض أمره عليه وتلقي توجيهاته، وذلك أسلوب إداري نادر إن لم يكن معدوم الوجود في الدول الأخرى، الأمير سلمان لم يكتف بمقابلة المواطنين والمراجعين في مكتبه مرتين في اليوم، بل خصص لهم يوماً من وقت فراغه وراحته في منزله، وتلك وأيم الله قمة التطبيق لسياسة الأبواب المفتوحة. كما عرف عن سموه مشاركته المواطنين في أفراحهم وأتراحهم، فهو دائم الحضور وبشخصه أو بصوته أو بمندوبه، وهو في الوقت نفسه من الأمراء وكبار المسؤولين القلائل الذين يشعرون مراجعيهم ومقابليهم بأنهم يعرفوه فهو ينادي ويخاطب كل شخص باسمه.
والأمير سلمان ذو تأثير اجتماعي وسياسي واقتصادي وإداري ليس على مستوى العالم العربي، بل على المستوى الدولي وله علاقات طيبة وواسعة مع رجالات الدول، وشخصيات المجتمع في كثير من دول العالم. ميزة أخرى عرف بها الأمير سلمان وهو حبه للقراءة ومتابعة ما ينشر لذلك فهو واسع الاطلاع ليس في مجال التاريخ والجغرافي والسياسة، بل وفي كافة المحاولات الأخرى من اقتصاد واجتماع وطب وعلاقات دولية وغير ذلك، كما عرف عن سموه متابعته لأعمال البر والإغاثة ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، ليس في داخل المملكة فحسب، وإنما على مستوى العالم العربي والإسلامي والدولي ومنذ حرب السويس إلى اليوم.
ومن الصعب الإحاطة بكل سمات هذا الرجل، ذلك أنها متعددة، شاملة، واسعة، وعميقة. ولكننا نختصر شخصيته بأنه الرجل المناسب في المكان المناسب، وأنه مؤهل جداً لحمل الرسالة، وأداء الأمانة، وتحقيق الطموحات التي يسعى إلى تحقيقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لوطنه وشعبه وأمته، وسيكون صاحب السمو الملكي الأمير سلمان العضد الفاعل والدافع القوي والمحقق لتلك الطموحات.
حفظ الله لمملكتنا الحبيبة أمنها وأمانها، وحقق لها ما تريد من تطور وتنمية وعيش رغيد.