يشهد هذا اللفظ بارتباط حاضر عربيتنا بمستوياتها المختلفة بماضيها، وكل المقتبسات الواردة هنا مما اجتمع في معجم (لسان العرب) لابن منظور حاولت أن أسوقه مساقًا لعله يربط بعضه بعضًا.
يسند الفعل (عال) إلى الأشخاص وإلى الأشياء، وتدور دلالته مسندًا إلى الأشياء حول الشدة، يقال «عال أَمرُ القوم عَوْلاً اشتدَّ وتَفاقَم»، وإن من أشد الأمور عولاً الظلم والجور حتى قيل «عالَ الرجلُ يَعُول إِذا جار»، ونقول في بعض عامياتنا اليوم: عال عليه أي اعتدى عليه، ومما يتصل بذلك سوء سلوك المرء من تبختر تقول العرب «عالَ في مشْيه يَعِيل عَيْلاً وهو عَيَّال وتعَيَّل تبختر وتمايل واختال وتَعَيَّلَ يَتَعَيَّل إِذا فعل ذلك، وفلان عَيَّالٌ متعيِّل أَي متبختر»، ولعل منه الانتقال فهم يقولون «عالَ في الأَرض يَعِيل عَيْلاً وعُيولاً وعِيُولاً ضرَب فيها وهو عَيَّال»، وإنّ من شأن الشدّة والظلم أنّ يعنتا ويثقلا على الإنسان حتى يقول «عالَني الشيء يَعُولُني عَوْلاً: غَلَبني وثَقُلَ عليّ»، وربما بلغ حدًّا يفوق الصبر ويغلبه، فيقول المرء «عِيلَ صَبْرِي»، وربما كانت الشكوى من هذا الثقل بالصوت المسموع «أَعْوَلَ الرجلُ والمرأَةُ وعَوَّلا رَفَعا صوتهما بالبكاء والصياح». وإنّ من الثقل ما ينوء به المرء من أمر العيال؛ إذ «عِيَالُ الرَّجُلِ وعَيِّلُه الذين يَتَكفَّلُ بهم وقد يكون العَيِّلُ واحداً»، ويقال «عالَ عِيالَه يَعُولُهم إِذا كَفَاهم مَعاشَهم»، وربما انصرف إطلاق لفظ العيال إلى الأبناء الصغار خاصة؛ ولكن لهجاتنا ربما توسعت في دلالة العيال، فنجد العيال في نجد هم الشباب، ويكنون بالعيال عن أمهم وإن لم تكن ذات ولد، ونجد في مصر العيال مطلقة على الصغار عمرًا ويطلق على من يسلكون سلوك الصغار، إذ يقولون «لعب عيال»، وتزداد الشدة بكثرة العيال؛ فمعنى «عالَ الرجلُ وأَعالَ وأَعْيَلَ وعَيَّلَ كله كَثُر عِيالُه»، وربما كان من أمر نفقة العيال ما يؤدي على الفقر فيقال «عالَ يَعِيلُ عَيْلاً وعَيْلة وعُيولاً وعِيُولاً ومَعِيلاً افتقر والعَيِّلُ الفقير وكذلك العائل»، وهو أمر ربما أجاء إلى إهمال العيال أو غير العيال، فهم يقولون «وعَيَّلَ عِيالَه أَهملهم»، وربما يكون سببًا إلى الحرص فهم يقولون أيضًا «أَعالَ الرجلُ وأَعْوَلَ إِذا حَرَصَ»، ولما كان من يُعال مفتقرًا وصف بأنه عائل، وكذلك كانت عائلة الرجل التي يعولها، وهي وإن كانت مفتقرة إليه فهو إليها مفتقر، فهي له كالمظلة التي يستظل بها، ولأمر ما قيل العالة و»العالَةُ شبه الظُّلَّة يُسَوِّيها الرجلُ من الشجر يستتر بها من المطر»، ولما كان من يعول من القوّة كان مشجعًللاعتماد عليه كما تعتمد عائلته عليه، فيقول المرء لمن يأنس منه العول «أَعْوَلْت عليه: أَدْلَلْت عليه دالَّة وحَمَلْت عليه»، ويقول الكريم «عَوِّل عليَّ بما شئت أَي استعن بي كأَنه يقول احْملْ عَليَّ ما أَحببت» فأنت من عائلتي، ومن أجل ذلك «يقال عَوِّلْ عليه أَي اسْتَعِنْ به، وعَوَّل عليه اتَّكَلَ واعْتَمد». وإن تكن الشدة التي بدأنا بها منصرفة إلى المعاني والأحوال فإنها في شدتها ربما تفوق شدة الصخور الصلبة، وأما الصخور بما هي شديدة فإنها لا تفت إلا بما هو شديد أيضًا، أي بمعْوَل «والمِعْوَل الفأْسُ العظيمة التي يُنْقَر بها الصَّخْر وجمعها مَعاوِل».