يجب على الأسرة تربية أبنائها تربية سليمة مبنية على القيم الإسلامية، لأن الفلسفة التربوية الإسلامية متميزة عن سائر الفلسفات التربوية الأخرى الموجودة في هذا العالم، وذلك لأنها تستمد أصولها الثقافية والفكرية والتربوية من مصادر
متعددة ومتنوعة ولكنها ترتكز على مصدرين أساسيين هما: القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة، وهذان المصدران يُعتبران الركيزة الأساسية في حياة المسلمين ولا تصلح حياتهما إلا بهما.. لكن قد يحدث خلل عند بعض الأبناء نتيجة تغذية أفكار أخرى تُساهم فيها جهات شتى المدرسة أو وسائل الإعلام المتنوعة أو بعض الجلساء.. فيؤدي به ذلك إلى انحراف فكري أو تهور في التصرف قد يختل به أمن المجتمع.
إنه لم تنتشر ظاهرة الانحراف السلوكي وبواعث المنازعات الاجتماعية وواقع العصبيات الجاهلية والأطماع المادية في المجتمعات الإسلامية المعاصرة إلا عندما ضعف التزامها بتعاليم القرآن الكريم الفاضلة وتوجيهاته الخُلقية الرشيدة، وابتعدت عن اتباع توصيات نبي الهدى السديدة.
ولهذا فإنه يجب على الأسرة أن تكثف جهودها لمواجهة هذا التحدي الداخلي بشتى السبل، فيبدأ بالنصح والإرشاد، وهذا أهم عنصر لأن الإنسان يقبل التأثر بالتوجيه إذ إن طبيعة البشر مرنة فيذكر الله تعالى ويبيّن له أن توجهه الجديد لا يمت إلى الإسلام بصلة، وفعله هذا فيه غضب الله تعالى، لأنه مصادم لتشريعاته سبحانه وتعالى وهذا النصح لا بد أن يكون بأسلوب حسن بعيد عن الجفاف اللفظي مبني على الحكمة {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}.
فإن لم يؤد هذا التوجيه دوره وجب على الأسرة أن يبيّنوا له خطر توجهاته السلبية عليه، وأنه إذا استمر على هذا التصرف الغريب فإن مآله إلى التعاسة والشقاء وأنه بهذا قد ركب مركباً صعباً قد يزج به في مصائب عظيمة عليه وعلى أسرته لا يعلم مداها إلا الله تعالى.
كما أن على الأسرة أن تمقت هذا الانحراف، وأن يبيّنوا له أنه لم يكن في أسلافهم المنتمين لهذا الكيان الأسري.. كما أنه يجب على الأسرة أن تفنِّد الأسس التي بنى عليه المنحرف تفكيره وترده عليه، فإن بناه على اجتهادات دينية بُيّن له خطأ هذا الاجتهاد إن كانت الأسرة أو أحد أفرادها يحسن ذلك، فإن لم تكن كذلك وضعَ أمامه موقف العلماء فيما ذهب إليه ليقرأه ويعرف خطأ توجهاته، وإن لم يكن تحسن الأسرة بيان ذلك استعانت بالعلماء والمفكرين للرد على هذا التفكير الغريب.. وإن بناه على توجهات أخرى إما حزبية أو مادية رُدّ عليه وبُيّن له أن في تشريعات الإسلام الكفاية، وعليه أن يربط تصرفه بشرع الله تعالى ففيه منجاته وسعادته في دنياه وآخرته.. فإن لم ينفع معه لا هذا ولا ذاك، وأصبح لا يجدي معه أي أسلوب ولا يزيده التوجيه والبيان إلا عناداً وانحرافاً توجهنا إلى أسلوب العقاب الفعلي، سواء من الأسرة إن كانت تستطيع ذلك، أو يُرفع الأمر إلى الجهات المسئولة لتقوم بمساعدتها لتقويم هذا الانحراف أو قطع دابره عن المجتمع.. ولا بد من بث روح التوافق الاجتماعي بين أفراد الأسرة مما يؤدي إلى مزيد من القوة والتماسك الأسري وحماية هذه الوحدة الصغيرة من المجتمع الكبير من التراخي والتفكك المؤدي إلى سلبيات اجتماعية خطيرة على أفرادها وعلى مستقبلها كأسرة مستقرة وسعيدة.
إن ضرورة الاهتمام بأمور أفراد الأسرة وهي من الواجب الشرعي لولي أمرها من قِبل الوالدين لتلقين أفرادها أولاً تعاليم الدين الإسلامي وبشكل صحيح واعتماد التعاون والتكافل الاجتماعي لنشر روح المحبة والسلام بين أفرادها بتوثيق العلاقات الأسرية واحترام رابطة الأبوة والأخوة فيما بينهم، وإني لأستغرب من برود حال ربّ أسرة يغيب أحد أفرادها من ابن أو أخ شهوراً، بل أعواماً في كثير من الأحيان دون إشعاره بمكانه وغرضه من هذا الغياب المفاجئ لأجل بذل الجهد من قبله بمشاركة المراكز الأمنية للبحث عنه، وفي هذه الحالة لا عذر لربّ الأسرة هذا لو انحرف ابنه لعيشه في محيط عائلة مفككة التركيبة الأسرية وانعدام القدوة الأسرية ناهيك عن إن كانت هذه العائلة تعاني من عدم العدالة في حقوق الأبناء إن كانوا من زوجات متعددات فيصبح أبناء هؤلاء صيداً سهلاً لأوكار هذه المنظمات الإرهابية وعيونها التي ترقب مثل هذه الحالات الاجتماعية غير الطبيعية، فالعائلة المترابطة السليمة في علاقاتها الدرع القوي لحماية أفرادها من شرور الإرهاب والانحراف الاجتماعي.
ويأتي دور الوعي الديني الصحيح والوسطي كإجراء وقائي ضد الأفكار المنحرفة والمضللة التي يغرسها عملاء الإرهاب ومروجوه بين صفوف المراهقين القلقين فكرياً بتأثير سوء المشهد السياسي والاجتماعي الإسلامي وتداعي الأحداث غير العادلة على بعض المجتمعات في عالمنا الإسلامي الذي ابتلي بالتدخلات الأجنبية الاستعمارية في مصيره وقراره السياسي ونهب ثرواته وإهانة أبنائه وإيداع مقاومي هذه الهجمة الاستعمارية المقابر والسجون مما يهيئ المناخ الفكري لهؤلاء المراهقين بالانتفاضة على واقعهم وقبول كل تطرف انتحاري، ويتم اختيار هذه المجموعات الرافضة لواقعها بذكاء خبيث حتى يسهل غسل أدمغتهم وشحنها بأفكارهم الهدّامة ورميهم في أُتون جهنم مشاريعهم الإجرامية الفاشلة - بإذن الله -.
إن كل فرد منا جزء من هذا الوطن يحبه ويسعى إلى تقدُّمه ورفعته وأي خدش أو خلل فيه يؤثر سلباً على الفرد والمجتمع لذا فكل مواطن يقدم الغالي والنفيس لرفعة هذا الوطن وعدم الإساءة إليه سواء بالخيانة له أو التآمر مع الحاقدين على أمنه واستقراره.
إن على المواطنين أن يتوحّدوا ويكونوا كالجسد الواحد ككتلة واحدة يقفون صخرة صلداء أمام كل من يمس أمن هذا الوطن (عبدالإله السعدون).. إن هناك مقتضيات وضرورات عديدة تدفعنا إلى الاعتقاد إلى أن طبيعة الظروف والمرحلة التي يمر بها وطننا العزيز تقتضي من جميع الأفراد والأسر وكافة المجتمع صغيرهم وكبيرهم رجالاً ونساء التفكير الجاد في الوحدة الوطنية من خلال الثوابت التي نعمل جميعاً من مواقعنا المتعددة على تعزيزها وحمايتها كما ولا شك أن حضور المجتمع بقواه المتعددة في الساحة أمر مهم لتحقيق الوحدة.
إن التحديات والمخاطر التي تواجهنا تؤكد ضرورة تصليب الوحدة الوطنية وإزالة كل الشوائب والرواسب التي تضر بشكل أو بآخر بمفهوم وحقيقة الوحدة.
إن الوحدة الوطنية ليست مقولة تُقال أو خطاباً يُلقى وإنما هي ممارسة متواصلة ومشروع مفتوح على كل المبادرات التي تزيد تمتين مستوى التلاحم الوطني.. وهذا بطبيعة الحال لا يأتي إلا بالمزيد من السعي والعمل الجاد والجهد المتواصل على تكريس أسس هذه الوحدة ومتطلباتها في الواقع الاجتماعي من خلال مساعدة رجل الأمن واستنكار الأحداث الإرهابية التي تعبث بمقدرات ومكتسبات بلادنا.
فترسيخ مبدأ الوحدة الوطنية عند الأبناء مطلب مُلح، ولهذا حثّ الإسلام على مبدأ الوحدة وحذّر من المساس به (من أتاكم وأمركم جميعاً على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه). فأباح الإسلام بهذا المبدأ دم المفرق للجماعة المستهتر بها ولو لم يكن الأمر بهذه الأهمية لما أباح الإسلام دمه.
إن تحقيق الوحدة الوطنية يبدأ من البيت، لأنه اللبنة الأولى في التربية ثم تتعاضد مسؤولية البيت بالإعلام المرئي والمسموع والمقروء، وكذلك يقع على كاهل المدرسة مسؤولية كبرى في مناهجها وأساتذتها كما أن على العلماء والوعّاظ والمربيين دوراً في هذا الجانب.
hdla.m@hotmail.comمستشار أمني وباحث في الشؤون الأمنية والقضايا الفكرية ومكافحة الإرهاب - عضو المناصحة - عضو كثيراً من الكراسي البحثية الفكرية الحامعية