|
{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (23) سورة الأحزاب. {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} (185) سورة آل عمران. {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي} (27-30) سورة الفجر.
إن الإنسان مهما أُوتي من القدرة على البيان والتعبير عما في الوجدان تأتيه ساعات ينعقد فيها اللسان وتتعثر فيها الكلمات ولا سيما مع عظم الخطب وهول الفاجعة عندما يرحل رجل الكرم والندى رجل المروءة والحياء صاحب الابتسامة المشرقة والقلب الكبير الذي يتسع للناس كل الناس.
وعند الحديث عن رجل الأمن نتذكر كلمة للأستاذ أحمد حسن الزيات: رجلان يربكان المتحدث عنهما رجل لا تجد ما تقوله عنه، ورجل لا تستطيع أن تختصر كل ما تعرفه عنه، وإطلاق الرجولة على الأول خطأ في اللغة، ووصف الثاني بالرجولة قصور في التعبير، لأن الأمير نايف يتشعب الحديث عنه فهل تتحدث عن نسبه فهو ابن الملك الباني عبد العزيز بن عبد الرحمن ووالدته حصة بنت الشيخ أحمد السديري التي أنجبت صناديد الرجال السبعة كما أنجبت عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الذي له القدح المُعلى في الرجولة ومحاسن الأخلاق.
أم أتحدث عن تنشئة سموه وكيف أن والده صنعه على عينه ورباه على القيم ومحاسن الأخلاق ووجهه إلى حب العلم والعلماء حيث كان شغوفاً بمجالس العلماء مواظباً عليها محيطاً بما يجري فيها من شتى العلوم والمعارف، وصار روحاً جامعة يحب الناس فأحبه الناس وكان شغوفاً بدراسة الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وبما صح من سنة المصطفى الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يُوحى.
وعند الحديث عن سمو الأمير نايف هل نتحدث عن سمو أخلاقه أم نفاذ بصيرته أم سداد رأيه أم براعته في حفظ الأمن أم عنايته بالموطن، ولا ريب أن عظمة الحاكم تتجلى في قدرته على تحقيق الخير لمواطنيه، ودفع الشر عنهم، فهو الذي جمع الله له كل معاني السمو والترقي والتمسك بالقيم، والذي استخلفه الله لتحقيق الأمن وحماية المواطن، وقد اجتمع لسموه كل الصفات الجليلة فهو أمير الأمن وأسد السنة النبوية، الذي يسير بنور الوحي ونور العقل، والذي اجتمع له شرف المكان وسمو المكانة، وميراث النبوة الخاتمة في أرض الحرمين الشريفين بعبق التاريخ المشرق، وألق الحاضر الواعد، وأمل الغد المانع المتألق.
ولا أدل على عنايته الفائقة ورعايته السامقة من أن الجائزة السنية بدأت واحدة ثم إذا بها تغدو ثلاث جوائز الأولى: جائزة نايف بن عبد العزيز آل سعود العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية. والثانية: جائزة نايف بن عبد العزيز آل سعود التقديرية لخدمة السنة النبوية.. والثالثة: مسابقة الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود لحفظ الحديث النبوي.وهذا يدل على أن سموه رعى نهضة علمية بل عالمية أتاح فيها لكل ذي طاقة علمية أن يهتدي بنفسه إلى المراجع الأصلية للإسلام في نقاوته وللسنة النبوية في نضارتها ولعلوم القرآن في نصاعتها، ليقف الجميع - مسلمين وغير مسلمين - على سماحة الإسلام، ووسطية مبادئه، وصفاء عقيدته، وكيف أن رسالته ليست إلا رحمة للعالمين، بعث بها أنبياء الله ورسله حتى ختموا بالنبي الأمين محمد صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
وأحسب أن جائزة سموه في مجالاتها الثلاثة سوف يغدو بها المسلم في مجتمعه خير مثال للمؤمن الذي يأمنه الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وللمسلم الذي يسلم الناس من لسانه ويده، وللمهاجر الذي يهجر ما نهى الله ورسوله عنه ليكون نعم العون على أمن المجتمع وسلامته، وليعرف كيف يتفوق في العلم، ويتفرغ للبحث، وكيف يتعامل داخل مجتمعه وخارجه بالرفق والسماحة والعدل والمرحمة.
أما غير المسلمين فحسبهم من الجائزة أن أتاحت لهم بسماحتها فرصة التسابق في مجالاتها ليقفوا بأنفسهم على مبادىء الإسلام وحقائقه الناصعة، وأنه دين الأمن الفكري دون إكراه إذ لا إكراه في الدين ولا تطرف أو غلو أو إرهاب.
وأحسب أنهم سيكونون - حينئذ - من المنصفين للإسلام عن بينة، أو المدافعين عن الحق عن بصيرة، وحسب الجائزة أن يكون من ثمراتها أن يغدو هؤلاء سفراء للجائزة بين أقوامهم حيث لا يستبعد أن يقولوا بينهم كلمة حق عن الإسلام وعن نبيه لا سيما وقد أنبأنا الله تعالى أنه كان من قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون.
لقد حبا الله تعالى سموه عبقرية سنية في مجال الأمن فوطد أركانه، وحصن بنيانه، وقد واكب ذلك ما وهبه الله من حكمة ذكية في خدمة القرآن والسنة والدراسات الإسلامية المعاصرة كما أن سموه قد وفق كل التوفيق في مساندة ونصرة الحسبة ورجالها يبتغي فضلاً من الله ورضواناً وينصر الله ورسوله وينشر الإسلام وسماحته، وينشد مجتمعاً بل عالماً تأسس بالعلم والثقافة، ويتقوى بالعدل والسماحة ويتوطد بالأمن والسلام.
وسموه بهذه الجوائز ينطبق عليه قول النبي عليه الصلاة والسلام: (من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أجورهم شيء).. وهذا بلا ريب يتمثّل في أعمال وجهود هذا الرجل المبارك الذي صار الآن بين يدي الله وفي ضيافة الحي فهو كريم والله أكرم الأكرمين وهو محسن والله مع المحسنين.. ({إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ}.
ففي ذمة الله.. اللهم أكرم نزله ووسع مدخله واجعله مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، وأن يخلفه في أمته خيراً ويمد خليفته بالعون والتوفيق ومزيد من التألق والشموخ والذي يُعد بحق كالشمس للدنيا وكالعافية للناس صاحب السمو الملكي الأمير الجليل أحمد بن عبد العزيز، وإننا لنستمطر شآبيب الرحمن على روح سمو الأمير نايف.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
*أستاذ الدراسات العليا بالجامعات السعودية ومعاهدها العليا وعضو المجلس العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والخبير بمجمع الفقه الإسلامي الدولي.