خسر العالم أجمع بوفاة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز يرحمه الله قائداً فذاً وشخصية نادرة أفنت حياتها لخدمة دينها ووطنها صنعت لنفسها حجماً وثقلاً كبيراً على المستويين المحلي والدولي خاصة في مجال مكافحة الإرهاب واستحداث وسائل جديدة للتعامل مع الإرهابيين ومعتنقي الفكر الضال وكان من أبرز تلك الوسائل برنامج المناصحة الذي حقق نجاحاً عالياً في إصلاح فكر هؤلاء، تلاه إشادة دولية نتيجة تلك المخرجات مما جعل العديد من الدول للأخذ بتلك الفكرة الرائعة والمبدعة وتطبيقها وفي مقدمتها النرويج، بل إن من علماء النفس الحديث ممن اعتبر المناصحة مدرسة ووسيلة جديدة في علم النفس وهنا يظهر مقدار الحكمة الصائبة والفكر المنتج لدى سموه يرحمه الله، فالمتتبع لمراحل الحرب التي شنتها المملكة على الإرهاب والقاعدة والتي انتصر بها نايف بن عبد العزيز والوطن انتصاراً ساحقاً ليرى أن سموه لم يكتف بمحاربة الأبدان والأجساد فقط، بل تعداها لمحاربة ذلك الفكر الخبيث فأنشأ الكراسي البحثية وطبع الآلاف من الكتب والمصادر وترجم منها المثل وأقيمت المؤتمرات والندوات التي حاضر فيها المتخصصون من تربويين وإعلاميين ومثقفين وطرحت العديد من المبادرات لمجلس الأمم المتحدة لاستئصال ذلك الشر الذي هدد جميع الأبرياء والمسالمين في العالم فأنشأ المركز العالمي لمكافحة الإرهاب بالأمم المتحدة باقتراح مقدم من المملكة وجميع هذه المنظومة المتكاملة من أعمال وجهود في المجال الأمني إنما هي نزر يسير بحق سموه وما الجانب الإنساني والخيري لديه إلا أضعاف مضاعفة، فوفاؤه لشهداء الواجب وذويهم أكبر دليل على ذلك، فقد بات أباً لهم يرعاهم بعد الله عزَّ وجلَّ يواسيهم في آلامهم وأحزانهم ويهنئهم بأعيادهم ومناسباتهم فخفّف عليهم فقدان الأب والأخ... وفي خدمة دينه فما يظهر في العلن منها إنما هو غيض من فيض وكفى بجائزته للسنة النبوية مثالاً، هذه الجائزة التي باتت نبراساً لعلم الحديث في الوقت الحاضر فشجع - رحمه الله- العلماء على الاهتمام بالسنة النبوية فخرجت لنا مؤلفات قيمة كان بعد الله لسموه الفضل فيها، وفوق هذا وذاك شرف خدمة ضيوف الرحمن من حجاج ومعتمرين والذين تشرّف بخدمتهم على مدى ستين عاماً واكب فيها التحدي الأكبر للأعداد والأفواج الكبيرة وكعادته سخّر الطاقات البشرية والتقنية لها فنجح بتنظيم تلك المناسك والعبادات بكل يسر وسهولة، نجاح محقق بمقياسأعلى المعايير سخر لخدمة الوطن والمواطن ولطالما كان يردد أن المواطن هو في الخانة الأولى ولا ريب فقد تعلّم ذلك من ملوك المملكة بدءاً من والده المؤسس وإخوانه - رحمهم الله - الذين شرف بخدمتهم والعمل تحت لوائهم وصولاً إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله الذي نظر في شقيقه نايف أنه رجل المرحلة فسماه ولياً للعهد ورغم قصر المدة الزمنية التي قضاها - رحمه الله- بولاية العهد قبل أن يلبي نداء ربه إلا أنها جادت بالخير والبركة على البلاد وأهلها، مكملاً مسيرته المهنية منذ أن كان وكيلاً لإمارة الرياض مروراً بتوزيره للداخلية ومن ثم تعيينه نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء ووصولاً لولاية العهد.. مسيرة حافلة بالإنجازات والنجاحات صبت في خدمة الدين والوطن راجينه سبحانه أن تكون شفيعة له وأن يجزيه خير الجزاء لما قدّم لأمته.. آمين يا أرحم الراحمين.
بولندا