|
للأمير سلمان بن عبدالعزيز اهتمامٌ أصيل بالعلم والعلماء، فقد رعى البرامج والأنشطة ودعم المراكز العلمية والثقافية في بلادنا ويُشرف مباشرة على كثير من الجهات العلمية، فهو رئيس مجلس دارة الملك عبدالعزيز المعنيّة بكل ما له علاقة بتاريخ المملكة العربية السعودية. ويرأس سموه اللجنة العليا لأوقاف جامعة الملك سعود المعنيّة بالبحث العلمي والدراسات الأكاديمية المتخصّصة، وسموه المشرف العام على مكتبة الملك فهد الوطنية، وهو رئيس مجلس أمناء مؤسسة حمد الجاسر الخيرية. ولسموه صلةٌ وطيدة بالجمعيات العلمية والثقافية، وهذا نابع من حرص سموه على دعم مسيرة البحث العلمي بهدف استثمار مُقدّرات البلد وبناء الكفاءات الوطنية بما يُساعد على مواكبة النهضة والرقي الحضاري.
وقد عُرف سموه الكريم، على المستوى الشخصي، بأنه قارئ واسع الاطلاع وخاصة في مجال التاريخ السعودي والحياة الاجتماعية، وما يتّصل بذلك من معلومات عن الأسر والقبائل وعن الشيم والتقاليد السائدة في المجتمع، وما له علاقة بهذا الجانب من ثقافة تُحيط بسلوك الناس على مرّ التاريخ. وأذكر في هذا المجال أن سموه الكريم قرأ كتب الشيخ حمد الجاسر، رحمه الله، في التاريخ والجغرافيا والأنساب، وله علاقة حميمة به وبغيره من العلماء والباحثين في بلادنا. وكان حريصًا على الاجتماع بالوالد في حياته، كما حرص سموه على الحفاظ على تراثه بعد وفاته. وكلّما تشرّفت بمقابلة سموه الكريم فإن ذاكرته الحيويّة تحتفظ بمواقف كثيرة مع الشيخ حمد الجاسر بإجلال وتقدير، لأن سموّه ينظر إلى العلماء على أنهم مكسب حقيقي وثروة بشريّة لا يُمكن التفريط فيها. كما أن سموه، من القرّاء الدائمين لـ»مجلة العرب» التي يحرص على مطالعتها منذ وقت صدورها في عهد مؤسسها الشيخ حمد الجاسر وحتى هذا اليوم، وهو يتابع أعدادها ويسأل عنها إن تأخّرت ويعرف عددًا من كتّابها.
على أن الأمير سلمان لا يكتفي بالقراءة فحسب، بل تكون له تعليقات وملحوظات دقيقة دائمًا ما يُفيد منها المؤلفون لأنه يُزوِّدهم بمعلومات مهمّة ربما غفلوا عنها ويُطلعهم على أفكارٍ جديدة تُضفي على البحث ثراء وتُضيف إليه بُعدًا علميًا دقيقًا. وأتذكّر أن لسموه الكريم رأيًا خالف فيه الشيخ حمد الجاسر عن الرياض في كتابه «الرياض عبر أطوار التاريخ»، مما يدلّ على تتبّع سموه الدقيق للمعلومات ومعرفته الشاملة بها. وهذا النهج يكشف لنا عن الوعي العميق الذي يملكه في ربط الأحداث والشخصيات والوقائع مستثمرًا معرفته الأصيلة بالتاريخ وتجربته الطويلة في التواصل المعرفي. وبهذا، فإن الأمير سلمان يُمثِّل مرجعًا أساسيًا للمعرفة طالما استفاد منه الباحثون والمهتمون في هذه الدراسات.
وقد شُرفت مؤسسة حمد الجاسر الخيرية برئاسة سموه لها منذ أن بارك تأسيسها ورعاها وهي تنطلق، ثم دعمها وشجّعها فزادت أنشطتها وتنوّعت منجزاتها وتعدّدت، ولله الحمد. وقد كان سموه خير موّجِّه لها وخير عونٍ لمسيرتها خلال أكثر من عشر سنوات من العطاء الثقافي المتميز.
إن متابعة سموه الكريم لهذه المؤسسة وتشجيعه الدائم لها كانت محفزًا لنا لبذل المزيد من الجهد لتتناسب مع تطلّعات سموه. وقد تعلّمنا منه واستفدنا من توجيهاته ورؤيته السديدة التي تُوازن بين الواقع و المأمول وبين الماضي والحاضر وبين التراث والمعاصرة. وهذه الرؤية المتوازنة هي الرؤية الناجحة القادرة على القيادة والتأثير بمنهجٍ وسطي يُحافظ على الثوابت الدينية والوطنية ويستثمر المنجزات الحديثة من أجل رقي هذا البلد الكريم ورفاهية المواطن والمقيم فيه. وتبرز هذه الرؤية الحكيمة من خلال تحليل سموّه الكريم لوضع عدد من الأنظمة السياسية الخارجية التي سقطت وأساءت إلى بلادها وشعوبها رغم أنها ترفع شعارات برّاقة تدعو إلى الديمقراطية والحريّة. وهذه الرؤية من سموّه تُمثّل نظرة بعيدة المدى للأوضاع السياسية وللأنظمة التي تحيد عن المنهج المتوازن وتُغلّب مصالح ضيّقة على حساب مصالح أشمل.
إن إدراك سموه للتاريخ ومعرفته بالشخصيات واهتمامه بالعلم والثقافة ودعمهما محركٌ أساسي لتطوير العمل العلمي والثقافي في بلادنا؛ فقد ساهم ذلك في الكشف عن صورة بلادنا ومكوناتها الثقافية والاجتماعية، وإبراز ما تشهده من نهضة ونماء في شتى المجالات.
وإننا إذ نُبارك لسموه الكريم هذه الثقة الكريمة بتوليه منصب ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع، فإننا نبارك لبلادنا ولأنفسنا بهذا الإنسان الفذّ والقائد المحنّك والإداري الناجح الذي سيكون خير عون لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حفظه الله؛ فهو عضده وسنده في بناء هذا الوطن ونهضة الإنسان. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوُفّقه في كل أعماله ويُسدِّد خطاه للخير والحق، وأن يُمتّعه بالصحة والعافية.