في تقرير مهني موثق أعده الخبير الرياضي الدكتور عبد الرزاق أبو داوود ونشرته الزميلة (عكاظ) تحدث فيه عن أبرز الشخصيات التاريخية الإدارية المبدعة في مسيرة الحركة الرياضية بالمملكة منذ انطلاقتها بثوبها التنظيمي قبل ما ينيف عن ستة عقود.. ومنهم رائد الحركة الرياضية صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله الفيصل - رحمه الله - يقول قائد المنتخب الدولي - سابقاً - عبد الرزاق أبو داود في تقريره التوثيق عن الأمير الراحل: «كان عبد الله الفيصل - يرحمه الله - (مبدعاً) في إدراكه لأهمية الرياضة ومفهومها التربوي والاجتماعي فعملَ على إنشائها وتنظيمها ودعمها لسنوات طويلة وكان ذا رؤية خلاّقة صمدت أمام الصعاب وفي مرحلة مفصلية وحقبة عسيرة حتى انتصر للرياضة السعودية وأقامها على أسس منظمة وقواعد ثابتة.. انتهى».. وربما أن الكثير لا يعرف الإسهامات التاريخية والدور الريادي والتضحيات الجسيمة والخدمات الخالدة التي طبعها ورسم ملامحها رائد الرياضة الأول على مسيرة الحركة الرياضية بالمملكة وإعلان قيامها على أكتافه بثوبها التنظيمي وجلبابها الرسمي في مجتمع تقليدي كان يرفض الرياضة بشدة كسلوك دخيل, وممارسة غير مقبولة لاعتبارات ثقافية واجتماعية ودينية, غير أن عبقريته الإقناعية, وإبداعه الفكري, وأفقه الواسع, وحكمته النيرة.. أعطت للرياضة مفهوماً وبُعداً تربوياً وأخلاقياً واجتماعياً وترويحياً ونفسياً وصحياً, وبالتالي نجاحه في مشروع قيامها... وتحديداً بعد تعيينه وزيراً للداخلية في مطلع حقبة السبعينيات الهجرية من القرن الماضي.. فاتجهت بوصلة حبه وعشقه للرياضة إلى إعلان قيامها رسمياً وصياغتها تنظيمياً وتحديد النظم واللوائح التي أعطت الرياضة مساراً أكثر قبولاً وتوازناً واستقراراً.. فهو أول مسئول حكومي رفيع المستوى يدعم الحركة الرياضية ويحضر مناسباتها ويرعى المباريات التي كانت تُقام بين الأندية.. فبعد ثلاث سنوات من تعيينه وزيراً للداخلية قام - يرحمه الله - بتأسيس الإدارة العامة للتربية الرياضية والكشفية لتتولى مسئوليات تنظيم الأندية والإشراف عليها وإعداد المسابقات الخاصة بها وتنظيم مشاركاتها الخارجية.
- كانت رؤية رائد الرياضة.. - كشخصية مبدعه واستثنائية - رؤية حصيفة.. حين حمل على عاتقه مشروع نشر النشاط الرياضي بثوبه التنظيمي.. وهي توسيع دائرة التنافس والمنافسة الرياضية الشريفة بين الأندية, فالتنافس هو الباب الأوسع الذي يقود للتطور الرياضي.. فدعم أندية المنطقة الغربية مادياً ومعنوياً باعتبار أن منطلق الرياضة, ونقطة البداية كان عبر بوابتها قبل دخول المنطقة الشرقية والوسطى مضمار البناء والتأسيس.. فدعمَ نادي الاتحاد أول نادٍ سعودي تأسس رسمياً عام 1347هـ, على يد رمزه الراحل حمزة فتيحي, ثم النادي الأهلي الذي تأسس عام 1357 على يد أبناء شمس بالإضافة للنادي المكي العريق (الوحدة). يقول المؤرخ الرياضي الكبير.. (الدكتور أمين ساعاتي): «صاحب أكبر موسوعة توثيقية تحكي تاريخ الحركة الرياضية»: كان الأمير المستنير عبد الله الفيصل - رحمه الله - من أشد المتحمسين لزيادة التنافس بين الأندية لأن التنافس الكروي هو العامل الأهم للارتقاء بمستوى الكرة, وكان يشجع اللقاءات والمباريات بين الفرق في حقبة البناء الرياضي, ويقدم الجوائز والهدايا لأبنائه اللاعبين لشحذ هممهم وتحفيزهم.
- كان لاحترافية وإبداع الرمز الراحل دور ريادي, وعمل بطولي وإسهام تاريخي.. يكشف عمق رؤيته الاستشرافية وتخطيطه الإستراتيجي, كانت خلاصتها الارتقاء بمستوى المنافسة الرياضية في بداياتها, بين الفرق في مكة المكرمة وجدة, في مرحلة أعقبت الانتعاش الاقتصادي وظهور الاحتراف الرياضي باستعانة الأندية ببعض نجوم الكرة العربية في سبعينيات القرن الفائت الهجرية الذين ساهموا في دعم الرياضة السعودية آنذاك فنياً.. كما تكفَّل - يرحمه الله - بابتعاث بعض اللاعبين المعتزلين لتعليم فنون التحكيم وقوانين الصافرة في الخارج في الثمانينيات الهجرية, وتكفُّله أيضاً بنقل بعض اللاعبين آنذاك لحضور نهائيات كاس العالم 66م, للاطلاع على الكرة العالمية والاستفادة من مدارسها الفنية.. هكذا كان منهج وفكر ورؤية رائد الرياضة, ويُحسب للأمير الراحل أنه ساهمَ في إنشاء إدارة رعاية الشباب في أوائل الثمانينيات الهجرية وتحديداً بعد انتقال النشاط الرياضي من وزارة المعارف إلى وزارة العمل والشئون الاجتماعية.. فدخل مفهوم الرياضة منعطفاً جديداً بعد أن أصبحت رعاية الشباب مسئولة عن الفنون والأدب والثقافة إلى جانب الرياضة.
- البروفيسور والمؤرخ (أبو داوود).. أصاب كبد الحقيقة حين وصف الرمز الراحل (عبد الله الفيصل) كأشهر المبدعين في عالم الرياضة بالمملكة.. فحرصت على تناول سيرته الرياضية الثرية عبر هذا القالب التاريخي.. لتكون نافذة بروفيليه وشاهداً على إسهامات وبصمات وخدمات رموزنا الكبار.. في الوقت الذي أتمنى أن ترصد سيرة رائد الرياضة وغيره من الرموز العمالقة الذين ساهموا في البناء الرياضي.. وتدّون في مناهجنا التعليمية لإبراز دورهم الريادي وخدماتهم العطائية وتضحياتهم الوطنية.. فهم يستحقون تخليد أسمائهم في ذاكرة الوطن.
Twitter@kaldous1