ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Wednesday 20/06/2012/2012 Issue 14510 14510 الاربعاء 30 رجب 1433 العدد 

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

فقيد الوطن

      

كان لنبأ الوفاة المفاجئ لصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز الوقع المؤلم والمحزن ليس في نفوس أبناء المملكة العربية السعودية ومواطنيها والمقيمين فيها فحسب، بل في سائر العالم العربي والإسلامي والمجتمع الدولي الصديق، كيف لا والجميع يعرف مكانة سموه، ولذا فالمصاب جلل على الجميع لما عهد عن سموه من مناقب وخصائل جليلة ورأي حصيف، ومواقف لا تنسى في الحفاظ على أمن البلاد والحج طوال عقود طويلة ولكن نحتسب عند الله فقد سموه ونقول ما أمرنا به المولى عز وجل عند المصيبة {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} وعوداً على مكمن الحزن والمصاب الجلل لفقد سموه نظراً لمكانته في عيون وقلوب المجتمع السعودي بوجه عام قيادة وشعباً من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله ومتعه بالصحة والعافية - وكل مواطن سعودي هذه المكانة التي نبعت وانطلقت من المحبة والتقدير للمجدين والمخلصين والعاملين المتميزين الذين أسهموا وبذلوا وضحوا في خدمة دينهم ومليكهم ووطنهم ولذا فقد تجسد هذا الأسى والحزن على فقد سموه وكان كبيراً بحجم الفقيد ومكانته.

إن الباحثين والمتابعين شهدوا للأمير نايف بن عبدالعزيز باهتمامه، بالفعل قبل القول في مجال الخير والعمل الإسلامي الذي يخدم الإسلام والمسلمين ويرضي رب العباد سبحانه.

ولعلي أشير إلى جائزة سموه لخدمة السنة النبوية والدراسات الإسلامية والمعاصرة التي أنشأها قبل عدة سنوات تحت مسمى «جائزة الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة» هذه الجائزة التي وقع أثرها في القلوب؛ لأنها تعنى بسنة المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وهذا الاختيار الموفق من لدن سموه بتخصيصه هذه الجائزة للسنة النبوية المصدر الثاني من مصادر التشريع في الإسلام.

لقد كان لي الشرف الاستماع المباشر، خلال العمل في الميدان الإعلامي والإداري ما يزيد على ثلاثين عاماً، وحضور العديد من المناسبات التي يرعاها سموه، فوجدت في سموه سعة الأفق، ولباقة الحديث، وبعد النظر، والرؤية الثاقبة، والقراءة المتأنية للأحداث، والخبرة الإدارية والقيادة العسكرية، والقدرة على إدارة الأزمات.

وإلى الجوانب العلمية التي برع فيها سموه، فهناك جوانب أخرى كان لسموه قصب السبق فيها، وهي الجوانب الإنسانية والاجتماعية، وخدمة الإسلام، فقد عُرف اهتمام سموه في مجال العمل الخيري وريادته، فسموه يرأس عدداً من اللجان الخيرية، كما أسس سموه وبشخصه ومن ماله الخاص العديد من المؤسسات وكراسي الدراسات الإسلامية في الخارج، ومنها كرسي سموه للدراسات العربية والإسلامية في موسكو، وجائزة سموه العالمية للسنة والدراسات الإسلامية التي أشرت إليها آنفاً.

وفي شخصية نايف بن عبدالعزيز جسدت الكثير من الصور الناصعة للشخصية القيادية العملية البارزة، لما لسموه من تجارب وخبرات، ولكنني أشير إلى حديث سابق مع سموه -رحمه الله- خلال احتفالية المملكة بالمئوية، وتحديداً قبل ثلاثة عشر عاماً، وفي ندوة «الدعوة في عهد الملك عبدالعزيز»، قال سموه: إن الأمن في بلادنا -والحمد لله- قوته مستمدة من منبع قوي ومن أصل قوي يعتمد على كتاب الله وسنة نبيه، ويجب أن تستمر، وأكد سموه أن الداعية رجل أمن، ورجال الأمن دعاة، يتعاونون على البر والتقوى.

وحينما قامت زمرة الإرهاب بالإفساد، والتخريب والاعتداء في بلادنا، وكتب من كتب حول الإساءة للدين والمعتقدات تصدى سموه لهؤلاء كما تصدى للإرهابيين، رافضاً كل إساءة للدين، ومحذراً من ذلك، وإنما السوء في من فهم الدين فهماً غير صحيح، فالإسلام دين الوسطية والاعتدال، وقبل هذا فقد سعى سموه -وطوال عمله في وزارة الداخلية نائباً فوزيراً- في المساهمة، والمحافظة على قدسية الحرمين الشريفين، ومنع الإساءة لهما، أو إلحاق الأذى والضرر بالوافدين إليهما من كل مكان، وسعى سموه في ترجمة أهداف ولاة الأمر طوال السنوات الماضية في أن تضع المملكة كل إمكاناتها في خدمة حجاج بيت الله الحرام، وزوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والضرب بيد من حديد على من يعرض أمن الحرمين الشريفين، وأمن حجاج بيت الله الحرام.

وتناول الكتاب والباحثون جوانب عديدة في مسيرة سموه الحسنة سواء العملية أو الإنسانية وبحكم اختصاصي وعملي فلعلي أتناول ما له علاقة بهذا الاختصاص، ومن واقع مباشر للعمل مع سموه ووقفت عليه بنفسي كشاهد على الحدث في عدة مناسبات ومنها، لقاء سموه بالأئمة، والخطباء، والدعاة وطلبة العلم، ومنسوبي وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، بحضور عدد من أصحاب الفضيلة العلماء، وجمع كبير من المشايخ، ورؤساء بعض محاكم المناطق غصت بهم قاعة الملك فيصل للمؤتمرات بالرياض.

وجاء هذا اللقاء تأكيداً لما يلقاه العلماء والدعاة والمشايخ من مكانة وتقدير من ولاة الأمر -أيدهم الله-، والمحبة المتبادلة، وما هذا اللقاء إلا حلقة في سلسلة اللقاءات الدائمة، فخادم الحرمين الشريفين دأب على لقاء أسبوعي مع أصحاب الفضيلة أعضاء هيئة كبار العلماء، والمشايخ، ورؤساء الدوائر الشرعية، وهي موروث حميد كان ينهجه جلالة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله-، وتبعه أبناؤه البررة الملوك سعود، وفيصل، وخالد، وفهد -رحمهم الله جميعاً-، وحتى العهد الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله-.

وكان هذا اللقاء الطيب المبارك، والنهج المبارك الحميد، هو نهج الدولة الرشيدة الراشدة، فما أحوج المجتمع كله لهذا التآلف، فالأمة بأمسِّ الحاجة لأن تتآلف قلوبها، وتتوحد صفوفها، وترجع إلى علمائها الربانيين في كل صغيرة وكبيرة، وأن يبتعدوا عن الحماس غير المنضبط، الذي يفرق ولا يجمع، ويقطع ولا يصل، ويهدم ولا يبني.

وعوداً إلى اللقاء المبارك، والحوار المفتوح النابع من القلب من قائد الأمن، إلى جنود الأمن الفكري: الدعاة، والأئمة، والخطباء، وأقول: جنود، نعم جنود، لأنهم مع إخوانهم رجال الأمن يقودون المواجهة ضد انحرافات أصحاب الفكر الضال، والفئة الباغية الذين حملوا على أهلهم وإخوانهم السلاح، ولم يلتزموا بحقوق شرعية لزمتهم، وأخلوا بالعهود، ودلسوا على الناس، عن عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ قتل معاهَداً لم يَرَحْ رائحةَ الجنةِ، وإنَّ ريحها يوجَدُ من مسيرة أربعين عاماً).

لقد أكد سمو الأمير -رحمه الله- في حديثه الأخوي، أن دولتنا هي دولة الإسلام، وهذا شرف لنا جميعاً، وأنه يجب أن نبذل كل ما يمكن في سبيل الدفاع عن هذه العقيدة، وعن هذا الوطن الذي كرمه الله بأن جعل الإسلام هو نهجه في كل أمر، وفي كل شأن من شؤون الحياة.

وأشار سموه إلى ما تضطلع به وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد من خلال برامجها وأنشطتها، ومن خلال المسجد في تحقيق الأمن الفكري، ومسؤولية الأئمة والخطباء بواجبهم في هذا الاتجاه، وأن الوزارة تتحمل مسؤولية كبيرة، مشيداً سموه بما قامت وتقوم به الوزارة.

وبلا شك أن الأمن الفكري هو مرتكز رئيس في مسألة الأمن العام، ولا سيما إذا كان الفكر يؤدي بأصحابه إلى أعمال إجرامية من قتل وتخريب، لقد نسي المخربون ما يتحقق من التخريب والهدم والإجرام من أعمال تتنافى مع المقاصد الشرعية في الإسلام، وأن الإسلام دين الأمن والأمان والسلام، ففي ظل الأمن تحفظ النفوس، وتصان الأعراض، والأموال، وتقام الحدود، وتتوافر الخيرات، وتعمر المساجد، وتقام الجمع، والجماعات، ويسود الخير، ويفشو المعروف، ويقل المنكر، وبفوات الأمن تضطرب الأمور جميعها، وعلى هؤلاء أن يعتبروا بما حلَّ حولنا من فقر وجوع واحتلال وتشريد وقتل، وترميل للنساء ويتم للأطفال.

وبعد.. لقد كان اللقاء رائعاً مثمراً.. رعاية وحضوراً وحديثاً وحواراً.. لأن الحديث حينما يخرج من القلب تتلقفه الصدور بصدر رحب، لقد رأيت السعادة والفرح في عيون المشايخ الذين سعدوا في الحضور من شتى أنحاء المملكة، سعادتهم كانت غامرة بلقاء الأمير نايف، وفرحتهم بحسن التنظيم والإعداد لمثل هذه اللقاءات.. وأعتقد أنهم لم ينسوا نقل تلك التوجيهات الكريمة إلى زملائهم الذين لم يتسن لهم الحضور والمشاركة، وانطلقوا مرة أخرى للإسهام في حماية الوطن من عبث العابثين عبر المنابر، فهم جنود الأمن الفكري.

ولقد كانت اللقاءات بسموه عديدة مع منسوبي الوزارة بمكتبه وزيارته لمبنى الوزارة في الحج عدة سنوات، أو في لقاءات خاصة كانت دائمة تحمل ثماراً طيبة وانعكاسات إيجابية، وتحمل التوجيهات للدعوة، ولعلي أستشهد هنا ببعض أحاديث سموه في عدد من المناسبات ومنها:

«ونحن -ولله الحمد- في رخاء واستقرار وأمن، فما دمنا نرضي رب العزة والجلال في كل أمر علمنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن بخير بأن كتاب الله وسنة نبيه هي دستورنا، وهي نهجنا؛ ولذلك من الله علينا بكل خير في هذه البلاد التي هي أصل العروبة ومهبط الوحي وحيث عاش نبينا -عليه أفضل الصلاة والسلام- وخلفاؤه الراشدون، وانبثقت الرسالة الإسلامية، والعروبة ومن هنا لذلك الفضل أكبر على قيادتنا منذ أن أسسها الملك عبدالعزيز حتى الآن وسيظل دستورها كتاب الله وسنة نبيه وكل أمة يرتضون دستوراً ونحن تمسكنا بكتاب الله وسنة نبيه الكريم وصحبه الكرام».

وقال سموه -رحمه الله-: «الملك عبدالعزيز -رحمه الله- أسس المملكة على ثوابت واضحة، أولها العقيدة الإسلامية التي قررها لنا القرآن وبعد ذلك النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، ومن بعده خلفاؤُه الراشدون والتابعون وكل من اجتهد في خدمة الإسلام، حيث ثبتت في كل ما صدر عن المملكة، وأصبحت دستورها الثابت ونهجها، متمثلة فيما أمر به الله عز وجل وأتى في كتابه {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}.

وتأكيداً على نهج البلاد وحملها لراية التوحيد والتزام منهج السلف كانت كلمة سموه في المحفل الخاص بندوة السلفية المنعقدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مؤكدة لهذا النهج حيث قال -رحمه الله-: «كما تعلمون فإن السلفية الحقة.. هي المنهج الذي يستمد أحكامه من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهي بذلك تخرج عن كل ما ألصق بها من تهم، أو تبناه بعض أدعياء اتّباع المنهج السلفي، وحسب ما هو معروف.. فإن هذه الدولة المباركة قامت على المنهج السلفي السوّي منذ تأسيسها على يد محمد بن سعود وتعاهده مع الإمام محمد بن عبدالوهاب - رحمهما الله- ولا تزال إلى يومنا هذا بفضل الله وهي تعتز بذلك وتدرك أن من يقدح في نهجها أو يثير الشبهات والتهم حوله فهو جاهل يستوجب بيان الحقيقة له.

وما قيام الجامعة باستضافة هذه الندوة إلاّ جزء من ذلك البيان. وإيضاح الحقائق تجاه هذا المنهج القويم الذي حُمّل زوراً وبهتاناً ما لا يحتمل من كذب وأباطيل ومفاهيم مغلوطة كالتكفير والغلو والإرهاب وغيرها وبشكل يجعل من الواجب علينا جميعاً الوقوف صفاً دون ذلك وأن نواجه تلك الشبهات والأقاويل الباطلة بما يدحضُها ويبين عدم حقيقتها».

وإننا نؤكد لكم على أن هذه الدولة ستظل -بإذن الله-. متبعة للمنهج السلفي القويم ولن تحيدَ عنهُ ولن تتنازل.. فهو مصدر عزها وتوفيقها ورفعتها. كما أنه مصدر لرقيها وتقدمها لكونه يجمع بين الأصالة والمعاصرة فهو منهج ديني شرعي. كما أنه منهج دنيوي. يدعو إلى الأخذ بأسباب الرقي والتقدم. والدعوة إلى التعايش السلمي مع الآخرين. واحترام حقوقهم.

وأخيراً لقد شاءت إرادة المولى عز وجل أن تكون الصلاة على الفقيد -رحمه الله- في المسجد الحرام وأن يدفن في مكة المكرمة هذه الأرض التي شهدت أعمال ومنجزات الأمير نايف -يرحمه الله- على مدى أربعة عقود من الزمن كمسؤول عن لجنة الحج العليا ومسؤول عن أمن الحجيج وراحتهم وعنايتهم وكان مع الجنود البواسل عيناً ساهرة لحمايتهم ورعايتهم وكان أمن الحجيج لهذه الملايين سنوياً مصدر تقدير واحترام من العالم أجمع كيف لا وهذه الثقافات المتعددة واللغات المتعددة يجمعها مكان محدود وفي أيام معدودة ولم يقف العمل بكل تأكيد على الجانب الأمني فلجنة الحج العليا ينطوي تحت منظومتها عدد من القطاعات الخدمية التي تسهم في أعمال الحج، وسموه كان رئيساً لهذه اللجان وكان متابعاً للخطط والبرامج التي تصب في خدمة بيت الله الحرام من الحجاج والزوار والمعتمرين.

أسأل الله العلي القدير أن يتغمد نايف بن عبدالعزيز آل سعود بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته، وأن ينزله منزلة الشهداء والصديقين.

و إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ .

alomari1420@yahoo.com
 

نايف بن عبدالعزيز رجل الخير والحكمة.. والأمن والدعوة
سلمان بن محمد العُمري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة