- الحزن يخيم على أبناء المملكة وبناتها عموماً اليوم، لأن مصابهم جلل، وفجيعتهم كبيرة، فليس من السهل أن يفقد الشعب السعودي شخصية سياسية وقيادية وأمنية بارزة، مثل (الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود). رحمه الله وغفر له، وجعل جنة الخلد مثواه.
- عاش الفقيد؛ حياة مفعمة بالعمل الجاد. أكثر من أربعة عقود وهو في ميدان العمل الأمني، ذلك الجندي المكافح الباذل روحه فداءً لدينه ووطنه وشعبه. من وكيل إمارة منطقة الرياض، ثم إمارتها، إلى وكالة وزارة الداخلية، فوزيرها (القوي الأمين)، ثم إلى ولاية العهد في عهد خادم الحرمين الشريفين، (الملك عبد الله بن عبد العزيز)، أطال الله في عمره، ونصره وأعانه، وألهمه الصبر في فقد أخيه وعضيده نايف.
- مسيرة الفقيد في العمل؛ حافلة بكثير من الإنجازات والنجاحات، الذي يصعب حصرها في سطور قليلة، فقد استطاع (الأمير نايف بن عبد العزيز)، أن يرسي منظومة أمنية متكاملة وفريدة في محيطها الإقليمي، بل أصبحت تنافس مثيلاتها في دول عالمية كبرى. هذه المؤسسة والمنظومة الأمنية المتمثلة في وزارة الداخلية وفروعها، ظلت وما زالت صمام أمن وأمان لوحدة المملكة واستقرارها، ولسلامة أمنها ورغد عيش أبنائها.
- مهام عظيمة وعديدة كانت تثقل كاهل وزير وزارة من أكبر الوزارات وأشدها حساسية. وزارة تقف بالمرصاد؛ لتجار المخدرات، ومستهدفي حياة الشباب، وتقف بالمرصاد ضد الجريمة بكافة أنواعها، وتؤمن حدود المملكة- القارة- براً وبحراً وجواً، وتوفر الأمن والسلامة لأكثر من مليوني حاج ومعتمر يفدون إلى الديار المقدسة في كل عام، وتحارب الإرهاب، وتلاحق أذناب القاعدة، وتعالج ظاهرة التطرف، وتتابع السلوكيات المنحرفة في المجتمع، فتوفر البيئات المناسبة للتعافي والتشافي، مما يتعرض له البعض في هذه الظروف غير السوية.
- لم تتوقف مسئوليات واهتمامات (الأمير نايف بن عبد العزيز) عند هذا الحد الذي ذكرنا. كان رحمه الله متعدد الوظائف والمسئوليات، فله نشاطات إنسانية واسعة على أكثر من صعيد، فهو يدير العمل الإغاثي في داخل المملكة وخارجها، وهو يهتم بجوانب إنسانية لمساعدة الأسر وطالبي الحاجات، بكل حميمية وتواضع وألفة، وهو يدير ويشرف على جامعة تهتم بالأمن وعلومه وطرقه.
- ثم ماذا بعد..؟
- كان سموه- رحمه الله- على صلة وثيقة بالثقافة والإعلام في بلاده. كان قريباً إلى قلوب المثقفين والإعلاميين، وظل لعدة سنوات؛ وهو يرأس المجلس الأعلى للإعلام الذي كان يتبع وزارة الداخلية، ومن خلاله- كان رحمه الله- يرسم سياسة الإعلام في المملكة، ويوجه دفته بكل ثقة وفهم وتوازن.
- تتجلى صور صلاته الوثيقة - رحمه الله- بالوسط الثقافي وقربه من الإعلاميين وكُتّاب الرأي أكثر، في المناسبات الرسمية، وفي المؤتمرات الإعلامية، خاصة خلال جولاته التفقدية على المشاعر المقدسة قبيل موسم الحج.
) تميزت لقاءاته هذه، بالود والشفافية، ففي السنوات التي أعقبت تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، كان يجتمع بنا- نحن معشر الكُتّاب ورجال الإعلام- بين وقت وآخر، وكان يتحدث بكل سلاسة واعتداد وغيرة على دينه ووطنه ومواطنيه، وبما عرف عنه من صراحة ووضوح، ويتقبل ملاحظات وأسئلة الكل بكل لطف، ويجيب بكياسة وسياسة، تنم عن شخصية قيادية من الطراز الأول.
- امتاز الفقيد (نايف بن عبد العزيز) - رحمه الله- باللطف والعطف، إلى جانب العزم والحزم في إدارة وزارته المتشعبة المهام. كان حكيماً ومتوازناً في طروحاته ومعالجاته ونظرته لكافة المواقف. في سنوات استهداف المملكة من قبل القاعدة وعناصرها من المكفرين والمفجرين، لم يفقد المسئول الأول عن الملف الأمني في البلاد توازنه، وظل على رباطة جأشه، وقوة دفوعاته وحججه المقنعة والمفعمة، في موازاة الجهد الأمني الذي ينهض به رجال الأمن بكل قوة واقتدار. هذه الصفات الأخلاقية والإدارية والسياسية في (نايف بن عبدالعزيز)، يعرفها من عمل معه أو حتى من التقاه، أو تابعه وتابع أنشطته المختلفة.
- كان يكفي (نايف بن عبد العزيز)، وهو وزير الأمن في بلاد شاسعة واسعة، مستهدفة باستمرار، وتتعرض لتحديات سياسية وأمنية كبيرة.. كان يكفيه نجاحه في تولي ملف محاربة الإرهاب وهزيمة القاعدة، وكان يكفيه نجاحه في ملف توفير الأمن والسلامة للحجاج والمعتمرين، وكان يكفيه نجاحه الباهر في تكوين وتنظيم المنظومة الأمنية الحديثة في المملكة.
- كان يكفيه فخراً نجاحه في واحد من هذه الملفات، لكنه ظل طوال حياته، الحليف الوصيف لكل نجاح، في أكثر من مهمة، وأكثر من مسئولية، مثلما ظل هو (القوي الأمين)، الذي دعم جهود قيادته المتواصلة، في التطوير والتحديث، وتوفير سبل العيش الكريم لمواطني المملكة كافة.
- لم نفقد بوفاة (الأمير نايف بن عبد العزيز)؛ شخصية عادية. لقد فقدنا علماً بارزاً من أعلامنا، وابناً باراً بوطنه وأهل وطنه. رحمه الله رحمة الأبرار.
- من الصور المؤثرة التي رأيتها للفقيد- عليه رحمة الله- صورته وهو يودع بيده اليمنى. تخيلته يودعنا قبيل أن تفيض روحه إلى بارئها، ثم يوصينا بما حقق وأنجز في بلده: (جناني)، كما جاء في هذين البيتين المؤثرين:
أوَدِّعكم.. وأوْدِعكم جناني
وأنثر عبرتي نثر الجمان
وقلبي لا يريد لكم فراقاً
ولكن.. هكذا حكم الزمان
assahm@maktoob.com - Assahm1900@hotmail.com(*) باحث وكاتب- صاحب منتدى السالمي الثقافي