هناك مواقف تمر على الكاتب يشعر بصعوبة الكتابة عما يمور بداخله وبخاصة في أوقات الفواجع.
وهذا المشهد الحزين: رحيل سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز - رحمه الله أحد هذه المواقف التي رأيت فيها قلمي منهزماً أمام رثاء هذا الرمز الوطني العربي الإسلامي، وكما قال الشاعر أحمد شوقي: ((إذا عظم الأسى عز الكلام)).
هذا الوطن لم يفقد الأمين نايف بوصفه مسؤولاً كبيراً فقط بل فقدنا برحيله - رحمه الله - بُعد النظر وحكمة التصرف واستنارة الرأي، والحلم باتخاذ القرار.
من تابع سيرة ومسيرة الأمير نايف يجد هذه الصفات تطرز وتحكم أي عمل أداه وأي رأي أبداه، وأي قرار أصدره.
كان أخطر ملف هو ((الملف الأمني)) الذي أمسك به وبأوراقه فأدار هذا الملف بحكمة وحزم وبخاصة عندما واجهت بلادنا - حرسها الله - عمليات الإرهاب والتفجيرات فكان القائد الأمني الذي استطاع - بدعم قيادته - وشجاعة وعطاء رجال أمنه أن ينجح - بحمد الله - في إدارة هذا الملف الصعب والشائك وكانت رؤيته - رحمه الله - ألا يكون العلاج بالإجراء المادي الأمني فقط الذي حقق - بحمد الله - نجاحات مشهودة سواء عبر المعالجة خلال وقوع التفجيرات أو من واقع الضربات الاستباقية، وكشف الخلايا الكثيرة التي لو تم تنفيذها - كما قال سموه - لكانت الخسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات.
نعم كانت رؤية الأمير الراحل أن يصاحب العلاج الأمني علاج فكري لقناعته التي طالما رددها: بأن أي عمل إجرامي وراءه انحراف فكري.. لهذا عمل - رحمه الله - على تفعيل الدور الفكري بوصفه أساس كل تكفير وتفجير، وإذا صلح الفكر صلح العمل، وكان كثيراً ما يطلب من أئمة المساجد ومنابر الجمعة والكُتاب والمثقفين أن ينهضوا بدورهم بتصحيح الفكر المنحرف وبلورة سماحة الإسلام وتعايشه مع الآخر، وإبراز اعتدال بلادنا وتطبيقها لشرع الله في كل شأن من شؤونها.
على الجانب الإنساني كان الأمير نايف - رحمه الله - رغم كل مسؤولياته ومشاغله يعطي الفضاء الإنساني كل اهتمامه: ابتغاء للأجر ورحمة بالمحتاجين ووفاء للمخلصين من أبناء الوطن.
فعلى المستوى الإنساني الخارجي كان - رحمه الله - الرئيس والمشرف على حملات الإغاثة السعودية عند كل نكبة تصيب بلداً عربياً أو إسلامياً أو صديقاً فكان يشرف ويتابع تسيير القوافل الإغاثية السعودية وكان يوفر كل الإمكانات التي يساهم فيها أبناء الوطن بنجدة إخوانهم وقد حدثني أكثر من مرة معالي د/ ساعد الحارثي مستشار سموه والمكلف من قبله بإدارة هذه الحملات حدثني عن حرص سموه ومتابعته اليومية والوقتية لهذه الحملات سواء بسرعة إيصال المعونات أو إقامة الحملات الإعلامية التي تحض على التبرع والتصدق للأشقاء.
ملمح آخر في الجانب الإنساني لسموه وهو حرصه الشديد - رحمه الله - على أسر الشهداء والموقوفين من أسر الشهداء وأبنائهم فبعد أحد الحوادث الإجرامية زار في ليلة واحدة أربع أسر وجلس مع آبائهم وأبنائهم مواسياً لهم ومعزياً، مبدياً توفير كل ما يخدمهم ويريحهم، وفي إحدى المرات أبدى رغبته - رحمه الله - بزيارة أسر عدد من الشهداء وروى د/ سعود المصيبيح مدير عام التوجيه والعلاقات العامة بوزارة الداخلية آنذاك أنه عندما وجد هذه البيوت متباعدة جداً وسموه طوال اليوم مشغولاً بأعمال المكتب ورئاسة اللجان فعرض عليه رأفة به اختصار هذه الزيارات ولكنه - كما قال المصيبيح رد عليه: هؤلاء بذلوا أرواحهم فداء لدينهم ووطنهم فكيف لا أزور كل واحد في بيته، وفعلاً تمت الزيارات التي استمرت حتى الساعة الحادية عشرة ليلاً وعندما رغبت إحدى الأسر بناء مسجد باسم ابنهم شهيد الدين والوطن بادر ببنائه على حسابه رحمه الله ورحم الشهيد وكل شهداء الوطن.
في الجانب الأمني رأينا تطور وتطوير الأجهزة الأمنية معدات ورجالاً وتدريباً لتقوم بدورها الوطني في زرع الأمن بالوطن ونشر الطمأنينة لدى ضيوف الرحمن وقد رأينا أن الأجهزة الأمنية التي يفترض أن أغلب أعمالها سرية أنها أول من بادر ويسر على المواطنين إنجاز أعمالهم وخدماتهم بتوظيف التقنية عبر النت والهواتف المتنقلة بحيث أصبح المواطن والوافد ينهي كثيراً من الخدمات التي يريدها من جهازه وهو في مكتبه أو بيته أو استراحته.
وبعد:
أختم هذه السطور الحزينة بدعاء من القلب للرحمن لفقيدنا نايف أسأله سبحانه كما أمّن قلوبنا بالدنيا أن ينزل الله الأمن عليه في قبره، وكما زرع السكينة في وطننا أن يجعل السكينة ترافقه في لحده، كما أسأل الله جل في علاه كما أمسك فقيدنا كتابك الكريم بيمينه في آخر مشهد له أن يجعله الله يمسك كتابه بيمينه ليقوده إلى جنة المأوى.
hamad.alkadi@hotmail.comفاكس: 4565576 ---- تويتر @halkadi