أرسى سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله قواعد الأمن في بلادنا، فكان مشغولا به ليرتاح المواطن، هكذا باختصار كان دور هذا الرجل وهمّه الأول، وبرغم هدوئه وسمته إلا أن القوة والحزم كانت فيه سمة ضد من تسول له نفسه العبث بأمن الوطن أو المساس به.
وقد تعدى اهتمامه رحمه الله بالمواطن إلى الزائر والمقيم حينما حرص على تعزيز الأمن في المقدسات الإسلامية ورعايتها كي ينعم ضيوف الرحمن والمعتمرون والزائرون لها بالأمن والسكينة في أداء مناسكهم دون خوف أو وجل. فلا تعجب حين تراه على رأس اللجان العليا للحج مجندا رجال الأمن على مدار الساعة لأداء الشعائر بطمأنينة وراحة تامة.
شملت شخصية الفقيد عدة محاور: الحكمة من جهة والحنكة من جهة ثانية، والجهات الأخرى يتقاسمها حزم ولين يتجاذبانه حيال مخطئ يستحق العقاب، ومغرر به يحتاج العناية والاهتمام، فكانت لجان المناصحة ابتكارا فريدا لتصحيح مفاهيم أصحاب الأفكار الضالة وإعادتهم للمجتمع أصحاء ودمجهم فيه، بل واحتضانهم باعتبارهم جزءا من هذا المجتمع ورعاية أسرهم كرعاية شهداء الواجب تماما! ولم تعدو نظرته إليهم عن أنهم يدٌ جرحت عينا، فلم يعمد لبتر اليد، بل داوى العين وهذب اليد! وهكذا ظهرت شخصيته جلية في الجمع بين الجانب الأمني الوقائي والعلاجي لقيادة زمام الأمن والتعامل مع الأحداث الأمنية في كافة مراحلها وفق نهج الشرع والعقل والحكمة. ويؤكد ذلك كلمته في إحدى اللقاءات الأمنية: (إن أولئك الذين يقومون بأعمال إرهابية تعرضوا للتضليل، وتم التأثير عليهم فكرياً وثقافياً فأصبحوا أدوات، ونأمل بعودة هؤلاء المواطنين الذين ضلوا الطريق إلى جادة الصواب، وأن يتحلوا بأخلاق المسلم والعربي الذي يرفض أن يسيء إلى الآخرين مثلما يرفض أن يُساء إليه).
وبرغم ما واجهه من أحداث سياسية طاحنة ومقلقة في أجواء أقرب للاضطراب بسبب رياح الإرهاب التي ابتليت بها بلادنا وبلاد أخرى؛ إلا أنه كان حريصا على الاستقرار وإرساء الأمن الذي يشهد له البعيد قبل القريب، كما كان رحمه الله متفائلا متسامحا متطلعا لمستقبل زاهر، مؤكدا دوما على اللحمة الوطنية وتعزيز الوحدة العربية والتعاون المشترك بين الأشقاء العرب والمسلمين، فضلا عن سعيه لتطور المجتمع والاستعداد المبكر للقادم ومواكبة متطلبات العصر في مختلف المجالات، فكان بحق مثالاً حيّا لرجل الدولة والأمن والعصر، وكان السد المنيع للوطن مدافعا عن حياضه، ساهرا على أمنه محافظا على مكتسباته، وبذات الوقت قريبا من قلوب المواطنين.
إن اضطلاعه بمختلف المجالات الشرعية والإدارية والأمنية والعلمية والثقافية وبكم هائل من الأعمال الإنسانية حقق في شخصيته الشمولية؛ لامتلاكه الخبرة الإدارية وبُعد النظر في تصديه للكثير من القضايا الوطنية ومعالجتها بمهارة السياسي المحنك والخبير عندما حافظ على التوازن بين مصلحة الدولة وحقوق المواطنين وتلمس احتياجاتهم.
ورغم رحيل الأمير نايف رحمه الله إلا أن ذاكرة المواطن ستحتفظ بإنجازاته، وسيذكره التاريخ مع الرجال الذين وضعوا بصمتهم متوَّجة بالشجاعة، مكللَّة بالشهامة، مجلَّلة بالمروءة، مغموسة بالنبل.
rogaia143@hotmail.comTwitter @rogaia_hwoiriny