|
مات صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود - رحمه الله- ولي العهد وزير الداخلية، ليتركنا لحظة تلقي الخبر، نعيش حزن فراقه، وألم رحيله، بعد عمر حافل بالعطاء تقلَّد خلاله الكثير من المسئوليات، كان عبرها، قامة سعودية، عربية، إسلامية، خدم أمته، وخدم وطنه، ولا غرابة أن يخيّم الحزن على قلوب أبنائه، حزناً على وفاته، فهو قاهر الإرهاب، وسادن العقيدة، ولا غرابة أن تدمع لأجله أعين الكبار والصغار، في لحظة لن تمحى من ذاكرة الوطن وهو يبكي نايفه، في مشهد حملته رسائل الجوال الباكية، ونقلته مواقع التواصل الاجتماعي، وهي تقطر شجناً، وألماً، فقد كان رجلاً مهموماً بقضايا وطنه، مشغولاً بتحقيق أمنه، فكان بحق «رجل الأمن الأول» وسخَّر جهده ووقته «لخدمة ضيوف البيت الحرام «فسعى إلى توفير كل سبل الراحة لهم، ليؤدوا شعائرهم، بكل راحة واطمئنان، حتى يعودوا إلى بلادهم سالمين، لقد كان نايف في كل المواقف التي مرَّ بها الوطن من محن وأزمات، يتناول قضايا الوطن وفق دبلوماسية هادئة، وسياسة حكيمة، يزيّنها الحلم والأناة في تناول المسائل الشائكة، ويزن الأمور برؤية صائبة، ونظرة سديدة، وبعد نظر، وحنكة وحكمة، مما جعله ينجح بها في أخذ القرارات التي ساعدت على حل المشكلات، يقول من يعرفه عن كثب، إنه يحمل صفات جميلة، بتواضعه اللافت للنظر، وحسن معشره مع الناس كلهم، وكان يجيد الإصغاء، ويتميّز بالصبر رغم الهموم الكبيرة، ويتحلَّى بسعة النظر، كان يؤمن بتحصين العقول من الفكر المنحرف، وقلع جذور الإرهاب منها، بتصحيح أفكار الشباب، وتعديل منهجهم في الحياة، فذلك أجدى وأبقى، ولم يكن «العقاب وكفى» منهجه في مواجهة الإرهاب، ومن أجل ذلك أنشأ «مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة» لاستصلاح الشباب، لقناعته بسلامة هذا النهج، فكان موضع إعجاب الغرب، في معالجة انحرافات الفكر التي أودت بشباب إلى الوقوع في براثن الإرهاب، إلى جانب تمتعه بالحزم في مواجهة المتربصين بأمن الوطن؛ وما ذلك إلا لما يملكه من حس في القيادة أهله ليكون قادراً على التعاطي مع جميع الملفات الوطنية.
والوطن إذ يودع ولي عهده، فلن ينسى ما قدَّمه كقائد ملهم، وزعيم كبير، ولن ينسى ما له من خصال عُرف بها منذ صغره، حيث كان تلميذاً نجيباً في مدرسة الملك المؤسس - طيَّب الله ثراه-، تمتع بالتقوى وعُرف بالاستقامة، ونشأ نشأة إسلامية، أثّرت فيه، فخدم السنَّة من خلال جائزته السنوية لحفظ الحديث الشريف، واحتفى بحفظة كتاب الله، وناصر الدين، وعاضد العقيدة، وفي نفس الوقت حارب التطرف في جانبيه الديني والتغريبي، لإيمانه - رحمه الله- بالوسطية.
كان من مآثره التي لن تُنسى إنشاء «أكاديمية نايف للعلوم الأمنية منذ 30 سنة» والتي تحولت إلى جامعة تحفل بعقد العشرات من المحاضرات، والدراسات، والندوات، والبحوث في «مجال الأمن» بما يعطي دليلاً بينّاً بما كان يهتم به ولي العهد - رحمه الله- لإرساء قواعد الأمن، وتحصين عقول الشباب السعودي، وشهد بدورها الكبير، كل من تعلَّم في أكاديميته، أو زارها من الأجانب، كما أن محبته للعلم، دفعته لإنشاء كراسي بحثية في مجال الحسبة، في السنة، في علوم الإرهاب، في الأمن، مما يدل على اهتمام هذا القائد، لحماية «الأمن الفكري «لأبناء المملكة، وكما أسلفت لم يكن همه «تطبيق العقاب والاكتفاء به «بقدر ما كان يؤمن بمنهج الإصلاح وتقديمه على العقاب لأنه أبقى، ولهذا نجح في القضاء على جذور الإرهاب، وأصبحت المملكة مدرسة لكثير من دول العالم في تجربتها لمعالجة الانحرافات الفكرية ومحاربة الإرهاب. رحم الله نايف بن عبد العزيز وأسكنه فسيح جنانه.
محمد بن إبراهيم فايع