بداية أتقدم بخالص التعازي لمقام خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله ورعاه - وللأسرة المالكة الكريمة، وللشعب السعودي الوفي برحيل ولي العهد الأمير نايف بن عبد العزيز - رحمه الله - فقد فجعنا جميعا برحيله المفاجئ، ولكنها سنة الله في خلقه، فكل من عليها فان، وبمثل هذه المناسبة الحزينة يعجز الإنسان عن التعبير، ويحار فيما يقول، فسموه ركن من أركان هذه البلاد على مدى أكثر من أربعة عقود، كان فيها مسؤولاً عن الأمن، وعضدا لإخوانه الملوك فيصل وخالد وفهد - رحمهم الله جميعاً - وعبد الله - حفظه الله - وقد وقف خلال هذه المدة سدا منيعا أمام كثير من العواصف، فكان بحق رجل الأمن الأول لهذا الوطن الشامخ.
رأيت سموه لأول مرة قبل زمن بعيد جدا، فقد حضر - رحمه الله - لأداء صلاة الجمعة في المسجد الجامع لقرية الشفاء جنوب الطائف مع سائقه الخاص، وبلا حراسة من أي نوع، وكنت مع أقراني حينها في مقتبل العمر، وقد سعدنا برؤيته، وسلمنا عليه بعد أداء الصلاة، وكان لطيفا معنا، فقد عاملنا بأبوة حانية، وسألنا عن أحوالنا، ولا زال ذلك الموقف عالقا في أذهاننا حتى اليوم. بعد ذلك بسنوات، تشرفت بلقائه مع زملائي أعضاء مجلس جامعة الملك سعود في مكتبه بوزارة الداخلية، وقد كان لقاء مطولا، تعرفت من خلاله على شخصيته الهادئة، فقد كان يستمع أكثر مما يقول، وهذه إحدى مميزاته، وقد خرجت من ذلك اللقاء بانطباع مؤداه أنه قريب من الناس وهمومهم، ويقف على مسافة متساوية من جميع المواطنين على اختلاف توجهاتهم الفكرية، وكان أكثر ما ميز ذلك اللقاء هو منحه الفرصة للجميع ليتحدثوا بحرية عما يجول في خواطرهم حيال كثير من القضايا، ولم يتذمر، بل قال إنه مستعد للجلوس معنا لأطول مدة ممكنة إن رغبنا في ذلك، وهو الموقف الذي قدره الجميع.
بعد ذلك، تشرفت بالترجمة لسموه عدة مرات في المناسبات الرسمية التي يقيمها سمو الأمير سلطان - رحمه الله - وذلك أثناء عملي في السكرتارية الخاصة لسموه، وقد كانت هذه التجربة كافية لأعرف من خلالها الكثير عن هذه الشخصية الفذة، التي تمثل الحزم واللين في الوقت ذاته، فبقدر القوة التي يتعامل بها سموه مع المخاطر الأمنية ومرتكبيها، فإنه أيضاً يتعامل برفق وسماحة وكرم مع من يستحق ذلك، وهذه ميزة لا تتوافر إلا بالقليل من الناس.
أكرر أن الوطن فقد واحدا من أركانه الأساسية، لكن عزاءنا أنه بنى مؤسسة متينة، وترك عليها صفوة من المواطنين المخلصين، الذين تدربوا على يديه، ونهلوا من مدرسته، وسوف يكملون مسيرته في حفظ أمن هذا الوطن والمقيمين على ترابه.
وفي الأخير، نسأل الله العلي القدير أن يغفر لفقيدنا وأن يرحمه، وأن يغسله بالماء والثلج والبرد، ويجمعنا به في دار نعيم مستقر.
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2