في كل التقارير العالمية هناك ما يشير الى أن الإدارة العامة والتشريعات المالية والتعليمات إن انطوت على ثغرات قانونية بنية التغطية على الفساد كانت من صلب جرائم الفساد، وأن أي تغيير أو إصلاح أو محاربة للفساد لن يحقق أهدافه والمرجو منه، ما لم يكن ضمن أهدافه أيضاً قراءة دقيقة لهذه التشريعات، وبخاصة ما يتعلق بإحالات العطاءات، وما يتعلق بالتعيينات والترقيات الوظيفية. ففي المجالين هناك فساد ومحسوبية، ولو استقرأت هيئة مكافحة الفساد جانباً من التعيينات والترقيات لوجدت في جانب منها محسوبية مفضية الى فساد، وفي الجانب الآخر يعانيها بعض الموظفين.
ويفخر كل مواطن سعودي بهيئة مكافحة الفساد ورئيسها معالي الأستاذ محمد الشريف الذي طالب كل العلماء وخطباء المساجد أن يحثوا الناس على النزاهة والشفافية ومكافحة الفساد، وذلك لحماية المال العام من الإهدار، لأن عمل الهيئة مستمد من التشريع والدين الإسلامي، وأن أهم أهدفها مكافحة الفساد المالي والإداري، ومتابعة ما يصدر من أوامر ملكية في الشأن العام للمواطنين والتحري عن أوجه الفساد المالي والإداري في التعيينات والترقيات، ومنح العلاوات للأصدقاء والأقارب وإهدار بعض المسئولين ملايين الريالات على الانتدابات الخارجية، لحضور مؤتمرات وندوات تستغل للسياحة، مما يستدعي تدخل الهيئة لاستجواب بعض المسؤولين والتحقيق معهم إذا دعت الحاجة لذلك.
وعليه فإن من مسؤولية مكافحة الفساد ليست المحاربة الشكلية للفساد الإداري والمالي فقط، وإنما محاسبته قبل حدوثه وبعد حدوثه، ولهذا فإن الهيئة وبما أنها تعمل بشفافية وصدق ووضوح، وبما أن تعاملاتها تمتاز بالسرية التامة، فإن مسؤوليتها اليوم عظيمة كونها تعمل بطلب وبأوامر ملكية، فهي عين الملك -حفظه الله ورعاه- ولسانه ويده للدفاع عن المال العام واقتصاد الوطن، وحقوق المواطنين دون استثناء كان من كان.
في لقاءات سابقة لي مع خبراء في قضايا فساد المال والإدارة العامة، اخترت نماذج عديدة لإيضاح أهمية تكريس سلطة الشفافية وتكريس مبدأ المحاسبة ومبدأ الثواب والعقاب، كما اقترحت أن يكون لهيئة مكافحة الفساد موظفون مندمجون في المؤسسات الحكومية، يعملون بالتعاون معها لرصد حالات الفساد والتنبيه عليه قبل وقوعه، كما أثرت مع شخصيات تنفيذية عليا ضرورة أن تكون هناك مؤسسة خاصة للرقابة والتفتيش على جميع أعمال المؤسسات الحكومية والخاصة، كون هناك أمور مخفية يجب رصدها ومتابعتها والاطلاع عليها والتصدي لها واكتشاف أبعادها وأهدافها قبل حدوثها، وأيضاً هناك حالات ثراء غير منطقية لموظفين ومسؤولين في القطاع العام والخاص، وهدر للمال العام وإساءة استخدام لهذا المال والسلطة الممنوحة لهم.
هنا هيئة مكافحة الفساد كما قال الكثير من الكتاب عليها ألا تتابع فقط صغار الموظفين أو المقاولين فقط، بل عليها مسؤولية وأمانة كبيرة بمتابعة كل مناشط الاقتصاد الوطني وبخاصة مواقع القرار التنفيذي فيه، لأن تجاوز الأعراف والتقاليد الاجتماعية والقيم الدينية والإنسانية باستغلال المنصب بطريقة غير مشروعة للاختلاس والتعدي على المال العام، والتعامل بالرشوة أو الفساد المالي والإداري، وتجاوز التعليمات الخاصة بالمؤسسة لتحقيق منافع شخصية يعد جريمة يعاقب عليها القانون، لذا يفترض أن يكون هناك مساءلة في استخدام الأموال العامة لبعض المسؤولين رفيعي المستوى، والحرص على عدم إفلاتهم من العقاب، وضرورة الاستفسار عن إيرادات كل دائرة حكومية وتدقيقها ودعمها بنظام محاسبي وسجلات عامة، وضرورة وجود صحافة حرة لإشراك المجتمع المدني لمكافحة الفساد، وتلبية رغبة خادم الحرمين الشريفين في بسط الحق والعدل في جميع أنحاء الوطن.
Ahmed9674@hotmail.com
مستشار مالي - عضو جمعية الاقتصاد السعودية