موظف عربي مسلم يعمل بقسم بيع اللحوم في مركز تسوق شهير بمدينة الرياض كنت أشاهده وأسمع حديثه مع نفر من المتسوقين من جنسيات أوروبية، سأل أحدهم صاحبه ما معنى (حاشي) المكتوبة على اللحم؟ أجابه: لا أدري فتوجها بالسؤال إلى الموظف، فابتسم ابتسامة بسخرية، وأضاف يعني لحم جمل صغير، ورفع عقيرته بالضحك،كنوع من المجاملة مع (الخواجات)، فهزوا رؤوسهم بالإشارة إلى أنهم فهموا معناها، لكنهم لم يبتسموا له، بل رشقوه بنظرة لم يفهمها وتحولوا إلى الجانب الآخر بحثًا عن لحم مناسب لهم كلحم العجل, العربي المسلم أراد أن يجامل الخواجات في شيء لا يعنيهم بل يعنيه هو، لكنه من جهله ظن أنهم سينظرون له نظرة المتحضر الذي يأنف مما يفعله العرب من التهام لحوم صغار الإبل، وما ألذها من لحوم لو عرف طعمها الخواجات لنافسونا عليها، ولم يدرك أنه صنع بنفسه عكس ما يريد، لأنهم في الغالب يحترمون ذوق الآخر ويحترمون ميوله وتوجهاته، ولا يقحمون أنفسهم في شيء من ذلك، كما أنهم لا يسمحون لأحد أن يتدخل في رغباتهم واختياراتهم، ونظرتهم له قبل انصرافهم رسالة لو فهمها تقول: يا لك من ساذج قليل الوفاء لنفسك ولقومك ولدينك، وهل تظن أن تهكمك في شأن من شئون قومك سيرفعك أمام الآخرين، بل بالعكس سيحط من قدرك وقيمتك، وكأنهم يقولون إنما نحن نحترم من يحترم نفسه وثقافته ويعز دينه، أما من هو دون ذلك فهو مريض بعقدة النقص وننظر له بالشفقة وندعو له بالشفاء، ولا نجد من تصرفه ذاك أي مصدر من مصادر الإعجاب، ولا يستميلنا نحوه بازدراء نفسه وأعراقه وعاداته وتقاليده، ناهيك عن الدين فهذا خط أحمر، والحوادث والوقائع تؤكد ذلك فكل من سافر للغرب ودرس هناك أو تعايش معهم لأي سبب ينقل لنا صورًا ومعان جميلة في هذا الاتجاه من احترامهم للغير وتقديرهم للخصوصيات، هذا على العموم ولابد أن لكل قاعدة شواذ من الأعمال والتصرفات وهذا عند جميع البشر هنا وهناك، بقي أن أشير لأخينا العربي فأذكره أن من البشر من يأكل لحم الخنزير ولحوم الكلاب والقطط والجرذان والحشرات وغيرها، ألم تجد غير الحاشي لتتندر عليه وأنت الذي كنت تتمناه قبل هذه الوظيفة رعاك الله؟!
قصة معاكسة فقد كنت ذات يوم أجلس أمام إحدى بوابات مطار دولي بمملكتنا الحبيبة انتظارًا لصعود الطائرة، وجاء ثلاثة من الأوروبيين وجلسوا بجانبي حيث المقاعد الشاغرة للجلوس، وكان بأيديهم بعض المشروبات، وكان أحدهم يشرب بيده اليسرى، فهمس له صاحبه وهو يشير بيده خفية إليّ ويقول له إتيكيت اشرب باليمين، وأنا لا أعرفهم وهي أول مرة وآخر مرة شاهدتهم، وهو لم يرفع صوته ليسمعني، لكنه همس وأشار خفية، لكني التقطتها لأنني ملاصق لهما، فتخيلوا هذا الأدب مع الآخرين واحترامهم للأعراف والثقافات والعادات وهم ليسوا مضطرين لذلك، ولكنها التربية والقدوة والذوق الرفيع الذي ينبع من ذات الإنسان، فما أجملنا لو كنا كذلك، وأكرر هنا أن العبرة بما تسير عليه العامة والأكثرية وليس بتصرف فردي.
t@alialkhuzaim