كيل المديح مهمة سهلة للتزلف وشراء الذمم، والثمن بضاعة مزجاة لا تصلح للاستخدام الآدامي، وعندما يكون الممدوح مسئولاً ذا شأن، قد تمنحه بجرة قلم وهجا سرعان ما تغشاه ظلمة تقصيره وتلاعبه، وتكون شريكًا ساذجاً، في جريمة فساد، لحظة منحته صوتك بتعجل، عندها لن تجد لضميرك موطئ عذر، حتى لو كنت مغفلاً غير متآمر.
لكن عندما تلمس اليقين فيما أنت مقدم عليه، فادخل من باب القول للمحسن أحسنت، وهو الباب الذي اخترت مواربته، للحديث عن رجل رأيت فيه مايناسب موقعه، عندما يتعامل مع أسلاك عارية يمكن لاهتزاز يديه أن تشعل حربًا، فكيف يكون الحال عندما تكون الأرض تمور بمناورات نفسية فكرية دينية، وهو بينها يحاول أن يرمم تبعات عقود من الخلاف والانقسام!
إن معالي الدكتور عبداللطيف آل الشيخ الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعرف والنهي عن المنكر بأبوته الحانية، واحترامه لضعف البشر، دون السماح للنيل من مكانة الهيئة يحمل رؤية واضحة لما يجب عمله، فهذا الجهاز الحساس الذي يدخل في أدق تفاصيل حياة المجتمع، يحتاج لمن يملك قدرة على الإمساك بكل الخيوط الممزقة، ويصلها بشكل مختلف، لترتقي ممارسة شعيرة تفرد بها ديننا الإسلامي، إذ لطالما كان هذا الدين وسيظل الخيار الأفضل للبشرية، لكن طريقة تعاطينا له ومعه، تقلب الموازين.
جهود الهيئة لا يمكن إنكارها كجهاز داعم للأمن ومحاربة الجريمة، إلا أن طريقته في الأماكن العامة تحتاج إعادة نظر، فالتطور لابد أن يشمله.
لأن أساليب النصح الجماعي، وإحراج الناس، أثبتت أنها غير مجدية، فالدخول إلى عالم النصيحة بصوت عال وحتى منخفض مهمة مستحيلة، لم ولن تؤتي ثمارها، لذا فليتغير ذلك، لأن التأثير ممكن بتغيير الأسلوب، على سبيل المثال لا الحصر يمكن للهيئة أن تجرب التأثير من خلال الفن الإعلامي، ولا أقصد بذلك أن تحول الأماكن العامة إلى معارض لصور الموت والأكفان، إنما أمر مختلف تمامًا، يليق برسالة الهيئة، تأخذ في اعتبارها التأثير النفسي، واختلاف البشر في تلقي المعلومة والاقتناع والعمل بها، ويمكنها أن تلاحظ من بعيد، ولا يكون التدخل إلا في حال وجود ما يستوجب ذلك ويمثل هتكًا صريحًا حقيقًيا للأخلاق والأمن، ويتركون مهمة الترشيد للصورة، أو أي مؤثر آخر، من خلال عروض راقية، تتكئ على مبدأ الخير في الناس، وتبث في النفوس الروحانية واحترام المكان ومرتاديه، فالخصوصية أرض مقدسة لا يمكنك اقتحامها بأي ذريعة كانت وتضمن السلامة، أو البراءة من تهمة التلصص واستراق السمع والنظر.
إذًا المشكلة التي قام عليها أغلب الجدل، ولا يزال يمكن اختصارها في الهيئة والأماكن العامة، أما خلافها، فلم أسمع أو أرى من ينتقد دور الهيئة في اصطياد المجرمين وتسليمهم بنزاهة مشهودة ليد المحاسبة.
amal.f33@hotmail.com