قبل أكثر من أسبوع تمت استضافتي في برنامج حديث الخليج مع الإعلامي سليمان الهتلان للحديث عن دور الزراعة في محاربة الفقر، وناشدت وقتها المسؤولين بالدولة التحرك للقضاء على الهجرة المتزايدة من الريف إلى المدن والتي ستتولد عنها نتائج كارثية، وقلت وقتها إن هناك أحزمة للفقر صارت تلف مدناً كبرى كالرياض، وهذه الأحزمة مدعاة لظهور كثير هذه السلبيات والمشكلات الاجتماعية نتيجة أن النازحين من الريف بحثاً عن لقمة العيش غالبا ما يفتقدون إلى التعليم والخبرة اللازمة لمزاحمة الآخرين على فرص العمل وهذه حقيقة تدعمها كثير من الدراسات.
وكان مما يثلج الصدر أن أقرأ ما نشرته صحيفة عكاظ في أحد أعدادها في الصفحة الأولى عن قيام ثماني وزارات بدرس سبل معالجة ظاهرة هجرة المواطنين من القرى والهجر إلى المدن, حيث أكدت إمارات المناطق على ضرورة إيجاد حلول سريعة وفورية للحد من هجرة المواطنين من القرى والهجر إلى المناطق الكبرى، وحُددت لجنة وزارية من ثماني وزارات وبعض المؤسسات والهيئات الحكومية للعمل على إيجاد حلول عاجلة للحد من ظاهرة الهجرة، وقالت مصادر إن الوزارات المعنية بشأن التوصل لحل لهجرة المواطنين هي التربية والتعليم والصحة والاقتصاد والتخطيط والمياه والكهرباء والنقل والزراعة والشؤون البلدية والقروية والإسكان، اضافة الى المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، حيث ستعمل جميعها على توفير الإدارات الخدمية التي تكفل للمواطن البقاء في قريته أو هجرته.
اليوم، ها هو أحد مطالبنا نراه يتحقق ويمكننا اعتباره خطوة لمعالجة موت الأرياف والاتجاه نحو تنميته، وقد أسعدني كثيراً الاعتراف من قبل الدولة بالمشكلة فهذا بحد ذاته نصف العلاج.
إن التفاوت الواضح بين الريف والمدينة إضافة إلى حزام الفقر حول المدن الكبرى هو أحد خصائص الفقر لدينا، يترافق ذلك مع تردٍ في البنى التحتية والخدماتية وانتشار البطالة الواسعة والإخفاق المدرسي وازدهار ظاهرة عمالة الأطفال والتسول، وإن كانت هذه الظواهر بنسب متفاوتة بين مكان وآخر، ولكن يظل أولئك الذين يتواجدون حول المدن الكبرى في النهاية هم حزام البؤس المملوء بالأمراض والفقر والجوع والحاجة.
وغني عن الذكر أن حزام الفقر حول المدن الكبرى يعرضها لأخطار أمنية واجتماعية وعمرانية وبيئية وصحية تدفع الدولة تكاليف مقاومتها، وتكمن المشكلة في أن إدارة المدينة غالباً لا تتحرك لاستئصال المرض قبل انتشاره ولكنها تتغاضى عن المشكلة حتى تتفاقم ثم تحاول بعد ذلك إيجاد الحلول المؤقتة لعلاجها ومواجهتها، وبكل أسف فقد ظلت الفئات المحرومة من السكن خارج دائرة الاهتمام في عمليات التنمية التي يقتصر دورها على تنمية المناطق العمرانية في أماكن الأغنياء، ما يترتب عليه أن الفقراء في المناطق العشوائية يزدادون فقراً وفي المناطق المتميزة يزداد الأغنياء غنى.
كما أن إحدى المشكلات المعوقة لإيجاد حلول لمعضلة الهجرة القروية والفقر وحزام بيوت الصفيح والأحياء الفقيرة التي تحيط بالمدن تتمثل في عدم دقة المعلومات المتوافرة، الأمر الذي لا يسمح بتشخيص وبتقييم دقيق لحجم الفقر على المستوى الوطني.
وبالنظر إلى نسب هجرة السكان من المناطق الريفية في المملكة إلى المدن نجدها مرتفعة جداً، فقد بلغت نسبة سكان الحضر في المدن السعودية 82 في المائة، ونسبة البطالة الرسمية 10.5 في المائة, مقارنة بعدد السكان 19 مليون نسمة، وقد قدرت مجلة الايكونومست النسبة بـ 36.4؟.
وعلى ذلك فمشكلة الفقر التي تتزامن مع مشكلات الأمية والجوع والبطالة تخلق للأسف حلقة مفرغة من الضعف والحرمان. ولا ريب أن الجهود الرامية إلى القضاء على الفقر ستذهب سدى إن لم تبذل في الوقت ذاته جهود لزيادة التعليم والرعاية الاجتماعية، إذ تعيق الأمية تلبية الاحتياجات الأساسية اليومية مثل الغذاء والرعاية الصحية والسكن، كما أن المعلومات التي قد تساعد على إنقاذ الأرواح لا تجد سبيلها إلى أولئك الأقل حظاً في التعليم أو غير الحاصلين على التعليم إطلاقاً.
أضف إلى ما سبق من مشكلات ما يوجد لدينا من فئة المتخلفين والمقيمين والذين يقدر تعدادهم بنحو مليون نسمة وهؤلاء يشيع ارتكاب الجريمة بينهم خاصة المولدين منهم، وذلك لعدة أسباب منها شيوع الفقر وتجمعهم في تجمعات خاصة ونسبة التوالد العالية وارتفاع نسبة العنوسة والفقر والبطالة بينهم، ما يجعل وجودهم جاذباً للكثير من المتخلفين الجدد من كبار السن والتزاوج معهم، ولا يخفى على الجميع أنه صارت لهم محميات بمكة ومدن أخرى يحجم الكثير من رجال الأمن عن الدخول إلى مناطقهم، ما يتطلب حلولاً أمنية عاجلة وكذلك افراد من القبائل النازحة، منهم أصحاب بطاقات إقامة ومنهم من هو بدون إقامة نظامية ويمكن إدخالهم إلى سوق العمل خاصة المولدين منهم بمنحهم بطاقة إقامة بالمجان وبذلك ينخرطون في الإطار المجتمعي ونستطيع التحكم بهم ومحاسبتهم على سلوكياتهم.
وحتى تؤتي اللجنة المشكلة أكلها لعلي أقترح هنا أن يوضع جدول زمني بتحديد فترة المقترحات وأن يتم التعامل مع حزام الفقر حول المدن على عدة محاور: أولها معالجة أوضاع المواطنين بتقديم العون لتعديل أوضاعهم اقتصادياً لعودتهم إلى أريافهم وتقديم الحوافز لهم وتنمية أريافهم وتقديم الحوافز لهم للقيام بالمشاريع والتوظيف، وثانياً تصحيح أوضاع المقيمين والمتخلفين بسرعة، وثالثا التعامل مع المتبقين والمتخلفين أمنياً وترحيلهم بأسرع وقت.
ويجدر القول إنه ما لم نعالج التكدس في المدن وأحزمة الفقر من حولها فقد يتم استعمال الكثير منهم في وقت غير مناسب لإشعال الفتن والقلاقل، لذا يجب التعجيل بتنفيذ البرامج التي تدعم في المناطق الريفية وتسعى إلى استدامة الموارد الزراعية للتخفيف من حدة الفقر في الريف وكسر طوق حزام الفقر حول المدن والمساهمة في الحد من البطالة وتحسين المستويات المعيشية للسكان بالريف والحد من الهجرة من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية.
أسأل الله أن يوفق هذه اللجنة لتحقيق أهدافها وإيجاد الحلول المناسبة والعمل على تنفيذها ولا تكون كغيرها من اللجان التي تكون غاية منتهاها لجان تنبثق عنها لجان ثم مجموعات عمل ثم ما الله به أعلم وفي النهاية لا نجد شيئا ملموسا، وعلى كل حال نحن في انتظار النتائج.
tfrasheed@hotmail.com