لقد تحوَّل «التعهيد» إلى صناعة خدمية كبرى في العالم؛ حيث لجأت العديد من كبرى الشركات إلى استخدام هذا النظام في تقديم الخدمات للعملاء بهدف توفير الوقت والجهد والمال، فضلاً عن تحقيق الهدف الرئيس، وهو رفع مستوى الخدمات المقدَّمة للعملاء.
وأعتقد أن الكثير من الناس لا يعرفون معنى «التعهيد»؛ ففي البداية نتطرق إلى ماهية هذه الخدمة؛ فهي باختصار شديد عبارة عن اتجاه شرعت بانتهاجه العديد من الشركات حول العالم، يقوم على إسناد بعض العمليات والخدمات إلى شركات خارجية، سواء بنظام الشراكة أو الإسناد، بهدف ضمان تقديم الخدمات بجودة عالية، والمساهمة في ترشيد النفقات حتى تستطيع هذه الشركات التركيز على أعمالها الرئيسية. وتضم أبرز العمليات المُسندة جدول الرواتب والعمليات المالية ووظائف خدمة العملاء وخدمات الدعم الفني وغيرها، وتتطلب جميعها معرفة كاملة بخدمات ومنتجات كل عميل.
وبدأ هذا النوع من الخدمات يظهر في السعودية ودول الخليج، وبخاصة من خلال مجموعة الاتصالات السعودية التي كانت سباقة في تقديم مثل هذه الخدمات؛ حيث اتفقت مع واحدة من كبرى شركات تقديم مثل هذه الخدمات في العالم لإقامة شراكة بنسب متساوية بين الاتصالات السعودية وشركة ايجز العالمية، وتم تأسيس شركة مراكز الاتصال العام الماضي 2011م. وقد نجحت شركة مراكز الاتصال خلال عام واحد في أن تحقق نجاحات ملموسة بتقديم خدمات تواصلية في استعلامات الدليل 905 على أرقى مستوى وفي زمن قياسي لا يتجاوز بضع ثوان للرد على العميل، ونتيجة ذلك استقبلت في 9 أشهر فقط أكثر من 36 مليون مكالمة استعلامية.
وهذا النجاح الذي تم تحقيقه جاء نتيجة التكافؤ في الشراكة بين أكبر شركة اتصالات في المنطقة (STC)، التي تملك 160 مليون عميل في العالم، وشركة إيجز العالمية، التي لديها 50 ألف موظف حول العالم، ونتج منها إنشاء شركة في السعودية (مراكز الاتصال) وفق منظومة استراتيجية تستهدف تطوير الخدمات ورفع مستوى الأداء للعملاء، كما ساهم نحو 500 موظف بشركة مراكز الاتصال ممن يمتلكون خبرات عالية من خلال فترة عملهم بمركز استعلامات الدليل 905 على مدار السنوات الماضية في سرعة التطوير، وتلمس العملاء التغير الكبير في الخدمات في وقت قياسي.
إنني أتوقع إذا استمرت هذه الشركة بالمستوى نفسه من الأداء وتطوير الخدمات ستكون واحدة من كبريات شركات التعهيد في المنطقة؛ حيث ستوسع أنشطتها وخدماتها خليجياً وعربياً، وستصبح واحدة من الشركات السعودية التي حققت انتشاراً ونجاحاً داخلياً وخارجياً.
ودعوني أتوقف عند هذا الحد من تناول شركة مراكز الاتصال، وسأخوض في بعض التحديات التي تواجه شركات التعهيد في المملكة العربية السعودية ودول الخليج؛ حيث يأتي في مقدمة التحديات: نقص القوى العاملة الوطنية المدرَّبة والقادرة على الوفاء باحتياجات العملاء، عدم القدرة على الأداء بالكفاءة المطلوبة في بيئة تتطلب العمل على مدار الساعة، قلة الرغبة في التدريب المستمر لرفع مستوى الأداء، وارتفاع رواتب العاملين في هذه الخدمة، اضافة إلى عدم معرفة الشركات والناس بطبيعة عمل شركات التعهيد.
وفي النهاية هذا النوع من الخدمات يحتاج إلى مضاعفة الجهود التعريفية لنشر ثقافته بين شركاتنا ومجتمعاتنا من خلال عقد ورش العمل وتنظيم الندوات، والمؤتمرات واهتمام وسائل الإعلام بهذا النوع من الخدمات التي تحولت في الكثير من دول العالم إلى صناعة يُشار إليها بالبنان، تسهم بشكل مباشر في خلق الكثير من فرص العمل بين الشباب، فضلاً عن تطوير أداء الكفاءات البشرية العاملة في هذا المجال. نأمل أن تحظى هذه الصناعة الحديثة في بلادنا باهتمام ورعاية الجميع؛ لتكون واحدة من الصناعات والخدمات المتميزة في بلادنا.