عندما ثار الشعب التونسي، لم يكن يدر بخلد أي أحد أن تصل شظاياها إلى مصر لاعتبارات ليس هذا مجال سردها، ولذا سارع أركان النظام إلى التأكيد على أن مصر ليست تونس، وكانوا واثقين من ذلك إلى حد كبير، وحتى عندما تداعى شباب الفيس بوك للتجمع في ميدان التحرير، لم يأخذهم أحد على محمل الجد، ولكن الأمور تطورت بشكل سريع ومثير، وكانت نقطة الحسم هي ذلك التصريح التاريخي للرئيس أوباما بأن على مبارك أن يرحل، وعندما ألقى الأخير خطاباً قال فيه إنه يرغب في إكمال فترته الرئاسية ولن يترشح مرة أخرى، جاءه التأكيد الواضح - بلا لبس - من البيت الأبيض «بأننا نقصد التنحي اليوم، وليس غداً!».
بعد تنحي مبارك، كان التفاؤل على أشده، لدرجة أن هناك من تحدث عن «مصر جديدة» على غرار الديمقراطيات الغربية، ثم توالت الأحداث بعد ذلك، فخرج الإخوان المسلمين ليتسيدوا المشهد السياسي، ويكتسحوا الانتخابات البرلمانية، وخلال تلك الفترة، جرت أحداث يصعب تفسيرها مثل اقتحام السفارة الإسرائيلية، وبعثرة محتوياتها، في مشهد تم نقله على الهواء مباشرة، دون أي تدخل يذكر من قوات الجيش أو الأمن، حتى بدا الأمر وكأن هناك فوضى خلاقة يجري التخطيط لها وحمايتها، ومع كل ذلك فقد كان هناك إصرار على أن تسير الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد، فما الذي جرى؟!
انتهت الانتخابات في جولتها الأولى بفوز مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي، والفريق أحمد شفيق، ما يعني أن أحدهما سيصبح هو الرئيس القادم لمصر، ويبدو من خلال الاستطلاعات الأولية أن نسبة لا يستهان بها من المصريين لا ترغب في أي منهما، ولكن ليس لديها خيار إلا أن تختار أفضلهما، أو تتخلى عن خيارها الديمقراطي بحق الانتخاب، أما المرشحان نفساهما فهما في سباق مع الزمن في سبيل استقطاب أصوات الأغلبية الصامتة، خصوصا تلك التي لم تصوت في الجولة الأولى، ولذا سعيا إلى عقد التحالفات، واستقطاب نجوم المجتمع، واستخدام السلاح الإعلامي بطاقته الكاملة، كما فعل شفيق عندما استضاف في منزله مجموعة كبيرة، كان من ضمنها الممثلة يسرا والمطرب والمفكر شعبان عبدالرحيم!
وكان اللافت في كل هذا هو إعلان الدكتورة هدى عبدالناصر، كريمة الرئيس جمال عبدالناصر تأييدها لشفيق، وقد بررت ذلك بأنه سيكون قادرا على بناء الدولة المدنية لكل المصريين، وهو ما لن يستطيع مرسي القيام به، وقد شنع عليها خصومها، واتهموها بأنها اتخذت قرارها عطفا على موقفها الشخصي وأسرتها من تنظيم الإخوان المسلمين، نتيجة لعدائه التاريخي مع والدها وإرثه، ولكنها حسمت أمرها على أي حال، وعلينا أن ننتظر معها مسك الختام لواحدة من أشهر الثورات وأكثرها إثارة، هذا على افتراض أن اختيار الرئيس القادم سيسدل الستار على آخر فصولها، مع أن كثيرين لا يعتقدون ذلك على أي حال.
فاصلة: «الوعي شرط ضرورة لنجاح الحراك الديمقراطي».
ahmad.alfarraj@hotmail.com
تويتر @alfarraj2