رحلة الانتظار رحلة شاقة وفي نهايتها ممتعة... تنسيك الآلام وتغريك بالآمال، غير أن رحلة إبراهيم لم تكن ممتعة في نهايتها... نعم كانت تلك الرحلة هي رحلة فلذة الكبد ومهجة الفؤاد ودمعة العين... هي رحلة سويداء القلب وشعرة الرأس وعضو الجسد.... رحلة ابني إبراهيم المنتظر من نحو بضعة أشهر... رحلة إبراهيم المؤمل خروجه للدنيا الفانية ليكون ذكرا صالحا - بإذن الله -... إبراهيم الجميل، إبراهيم الوسيم، إبراهيم القمر الساطع الذي ما إن رأت عيناي طلته حتى تسابقت الدموع حمدا وشكرا لله الذي أرانيه حيا باكيا على صدر أمه الحنون ثم بجوارها على سرير الولادة... إبراهيم الحب، إبراهيم الأنس إبراهيم الذي انتظرته طويلا وترقبت وصوله كثيرا وتولع به شقيقه مروان أكثر وأكثر مني حتى لقبه منذ أن علم أن له أخا قادما إلى هذه الدنيا بـ (سمسم) لكن يا حبيبي يا مروان لا تنتظر سمسم، فسمسم سبقني وسبق أمك وإخوتك طيرا من طيور الجنة - بإذن الله -... رحلة إبراهيم المنتظرة كانت لحظة الوصول في تمام الساعة التاسعة والنصف تقريبا من مساء الأربعاء التاسع من الشهر السابع من العام الثالث والثلاثين بعد الأربعمائة والألف من الهجرة... بلغت به أن ابشر وصل إبراهيم فكنت أول من نظر إليه وأول من سمع بكائه الندي الشدي القريب إلى قلبي... البكاء الذي كان عنوانه وداعا يا أبي إلى الجنان فقد أتيت لتهديني قبلتك وتغلفني بعينيك... أتيت للدنيا لتنظر إلى غرغرة الروح ولتصبر يا أبي ولتحتسبني طيرا في الجنة - بإذن الله -... لحظة إمعاني النظر فيك يا مهجة فؤادي يا إبراهيم ذكرتني بالنظرة الأبوية النبوية الحانية من محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - حينما شخص بصره بابنه إبراهيم ونزلت دمعة الرحمة من مقلتيه وقال مقولته العظيمة (إن القلب ليحزن وان العين لتدمع وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون). وأنا أقولها اليوم لك يا بني إبراهيم وأكررها مرارا وتكرارا إن العين لتدمع وان القلب ليحزن وإني على فراقك يا إبراهيم لمحزون... ما هي إلا دقائق تقترب من الساعة تقريبا حتى خرجت روح زكية طاهرة إلى بارئها... فالحمد الله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا... الحمد الواهب الحمد لله المعطي إن كان ربنا اخذ واحدا فقد أبقى خيرا، أسأل الله أن يحيطهم بعنايته ورعايته وحفظه وكلاءته...طبت يا إبراهيم وطاب جسمك وشعرك وملمسك ونظراتك... طبت يا إبراهيم حيا وميتا... طبت يا إبراهيم في تغسيك وتجهيزك وتكفينك... طبت بالله ثم بمن شاركوني حزنك وتشييعك ودفنك... ولمسة حانية على كتف أم سلمان.. أحسن الله عزاءك وجبر مصابك وعوضني وإياك خيرا.. واصبري واحتسبي إبراهيم فبالصبر والحمد تبنى بيوتنا في الجنة فالحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه... وقبلات حارة صادقة لمن ينتظرون ويترقبون بل ويرتبون لاحتضان إبراهيم بدءا من شقيقته الأمورة صفية ثم بالشبل سلمان مرورا بالنجيب سفيان وانتهاء بالمولع مروان... وشكرا ثم شكرا ثم شكرا لكل من واسى وزار وعزى وشارك... لا أراكم الله مكروها وجعل أيامكم وساعاتكم أفراحا وسرورا والحمد لله على قضائه وقدره (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ).
أحمد العدل