مصادرة الرأي الآخر هو السلاح الأول الذي يُشهره في وجهك من يختلف معك، هذا هو السائد في الثقافة المجتمعية، وأعني هنا العديد من الشرائح ولا أخص فئة بعينها، بل وأجد من يتصدر هذا الفكر الإقصائي عينة محسوبة على النخب الفكرية، فبمجرد أن يُطرح رأي لا يتوافق مع البعض، خصوصًا في قضايا المرأة، نجد فورا السؤال المعتاد: من سمح لفلانة الحديث عن المرأة السعودية؟ كيف تتحدث فلانة نيابة عنا؟ وفي الواقع فإن لكل شخص فكرا مستقلا ورؤاه الخاصة التي تُمثله وحده، والاختلاف لا يمكن أن يتم بالمصادرة التي هي حجة الضعيف العاجز عن النقاش، لذا يُعزز من ثقافة الإقصاء بهذا الأسلوب وإشاعة الكراهية والبغضاء بالتحريض ضد هذا أو تلك!
لا أدري، إلى متى وثقافة كراهية الشخص المخالف ستستمر، وإلى أين سنصل؟ ليس بالضرورة أن أرتبط بمشاعر إيجابية أو سلبية تجاه أحد، لكن بالضرورة أن أحترم حقه في إبداء رأيه مهما اختلفت معه، في هذا الصدد وعبر موقع تويتر، سأل أحد المتابعين الدكتور تركي الحمد، قائلا له: ما رأيك بطرح “فلانة” التي هي محدثتكم عبر هذه السطور؟ فأجاب: لا أتفق معها في كل كلمة تقولها، لكنني أدافع عن حقها في كل كلمة تقولها.. في الحقيقة، هذه التغريدة من الدكتور تركي الحمد هي درس واقعي في حق الإنسان إبداء رأيه، وأن الدفاع عن هذا الحق لا يعني الاتفاق مع الرأي أو تأييده.
إننا في هذا المجتمع نعاني من قصور واضح في احترام الرأي والرأي الآخر، وما ألاحظه هو سلاح المصادرة الفوري مع تحريض وتشهير وإشاعة الكذب والتلفيق حول من نختلف معه، وزاد من هذه الظاهرة التطور الهائل في الإنترنت وتحديدا مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا ما لم أجده لدى صفحات الغربيين، وبزيارة لتلك الصفحات وجدت أن هناك الكثير من الآراء لديهم التي تُخالف أو تعترض على بعض الأطروحات، إلا أنها مكتوبة بحرفية تنم عن القيم العالية التي يتمتع بها هؤلاء على الرغم من أنهم لا يدينون بالإسلام الذي يُفترض أنه دين التهذيب والقيم الرفيعة، فهم لا يضيعون وقتهم بالكلام الفارغ والتربص بفلان ومحاولة تشويهه بالكذب، لديهم مسؤولية عالية في التعبير مع من يختلفون معه، لذا تمكنوا من صناعة الوعي المجتمعي بكل مقوماته، وهذا يعيدني للمقولة الشهيرة التي جاءت على لسان الإمام محمد عبده، بعد زيارته لعدد من الدول الغربية، في قوله: (رأيت إسلاما ولم أرَ مسلمين، أما في بلادنا فقد رأيت مسلمين بلا إسلام).
إن العقل المجتمعي لا يزال يسيطر عليه الفكر الأحادي، وهذا النمط الفكري لا يختص بتوجه معين بل هو سمة تظهر تحت شعار: “إن لم تكن معي فأنت ضدي”، كتبت كثيرًا ووجهت حديثي إلى القراء الكرام، أن كاتبك المفضل ليس بالضرورة أن يطرح في كل مرة فكرة تتوافق معك، إذ تجد بعض القراء يُضاعف الثناء والمديح عند طرح ما يتوافق معه، وحين يطرح الكاتب فكرة تختلف معه فإن الوجه الآخر يظهر بكيل من الشتائم والتحقير، أنا شخصيا ككاتبة لا أميل إلى كلا الفريقين، الأقرب لي من ردود وتفاعلات القراء من يناقش الفكرة دون أي عاطفة سواء معي أو ضدي، هذا النوع من القراء هو من يضيف لرصيدي المعرفي، ويُمكنني من إعادة قراءة أفكاري.. ما أريد قوله: إن القمع الفكري لن يثري المجتمع، وسيجعلنا لا نبرح الخطوة الأولى في التعايش مع جميع الأفكار التي تحتاج منا إلى تفكير وتمحيص ومعالجة دون إقصاء!
www.salmogren.net