في (بعض) بلادنا العربية أو بالأصح في (أكثرها) أو بالأحرى في (جلها) يتنامى الفساد حتى يصل حالة (الاستشراء) فتنعدم الذمم وتتلوّث الضمائر مما ينتج سخطاً جماهيرياً (مبطناً) يحتقن رويداً رويداً، حتى يصل حالة الانفجار لا ولاسيما حينما يبلغ لقمة العيش ولعل أبسط وأخطر عواقب الفساد وما ينتج عنه هي البطالة، ولعل أخطر البطالات هي بطالة الكفاءة لحساب (المحاسيب) والأقارب والأصدقاء و(الراشين) ولا سيما في حالات شغور الوظائف التي تذهب لهذه الأصناف وتستبعد من لم يكن له ظهر أو سند أو يد، وهذه الحالة المزرية غالباً ما تسميها أجهزة الإعلام الرسمية وشبه الرسمية في تلك البلدان بـ(البطالة المقنَّعة) وهي في واقعها مقنَّعة من الأعلى وعارية من كل الجهات (!!)
ولعل العار يقع على وسائل الإعلام إن لم تمارس (الفضح) لتقوم الدولة بالستر لا التستر على هذا العري الفاضح الذي سببه الأول الفساد ما غيره ولكن لأن أغلب وسائل الإعلام العربية هي (مقنَّعة) مثل البطالة ولا تسمح لها الأنظمة حتى بالتنفس إلا بأمر الاستخبارات لا وزارة الإعلام فإن الصمت يولِّد الانفجار كما هو الحال في سوريا الآن، وكما هو الحال في باقي بلدان الربيع العربي، هذا الانفجار الذي أدى إلى سيادة الغوغاء وظهور العرابجة والعربجية والبلطجية و(الشبيحة) وسيطرتهم على أمن البلاد ورقاب العباد.
ووسائل كشف الفساد ومن أهمها الصحافة وإن أعطيت ما يُسمى ببعض الحرية تحت ديمقراطية مزيّفة فإنه لا يسمح لها إلا بتمجيد النظام والخضوع إلى مقص الرقيب. وأذكر في هذا الصدد أن صحفياً عربياً مخضرماً أيام برلمانات ما بعد الاستقلال في إحدى دولنا العربية حدثنا أنه كتب يوماً (المانشيت) الرئيسي في الجريدة التي كان يرأس تحريرها هكذا (نصف الوزراء حرامية) فطلبت منه الرقابه أن يعتذر بتصحيح المانشيت فكتب (نحن آسفون فنصف الوزراء ليسوا حرامية!).