من كرم الله وعدلــه أن ميز الإنســـان عن غيره من سائر المخلوقـات، ميزه بعقل مفكر، عقل يتمتع بقـدرات عقلية متنوعـة، تحلل وتسـتقرأ وتستنتج وتقرر، قدرات أهلت الإنسان أن يكون خليفة لله في الأرض، بهذا العقل تمكن الإنسان من ممارسة أدواره في إعمار الأرض، وتنويع سبل العيش فيها واستثمار خيراتها، وقد ثبت أنه كلما أعمل الإنسان عقله، وفعل قدراته وتنبه إلى المقومات المتاحة في ذاته وفي محيطه الاجتماعي وفي مقدرات البيئة من حوله واستثمرها، كلما أمكنه صناعة التفوق والنجاح والإبداع، سواء على مستوى اهتماماته الشخصية وطموحاته وخياراته التي يفضلها، أوعلى مستوى بيئة عمله الخاص، أومجتمعه بصفة عامة.
في البيئة الاجتماعية والجغرافية وكل البيئات المحيطة بكل أحد، الكثير من المعطيات والمقومات التي لو أحسن الإنسان التعامل معها واستثمرها، لتحقق الكثير من أوجه النجاحات، ودلالات الفرق في التفوق والنجاح بين هذا الفرد وذاك، تكمن في مدى التنبه إلى المعطيات والفرص المتاحة وتوظيفها في الحصول على أوضاع أفضل، كذلك الحال بين المجتمع المتفوق والآخر الذي مازال يجر أذيال الخيبة والتخلف، تكمن في مدى التنبه إلى المعطيات والفرص المتاحة وتوظيفها في الحصول على مستويات أفضل في مجالات الحياة الاجتماعية.
هناك شواهد عديدة تؤكد هذه المسلمة وتدل عليها، فالفرد الذي تنبه إلى قدراته وتعرف عليها وعمل على تنميتها، وبذل المزيد من الجهد والمال حتى بلغ بها درجات متقدمة من النضج والكمال والتمهير، حقق بكل جدارة واقتدار المكانة التي يطمح إليها، ونافس غيره على المنزلة اللآئقة وفاز بها، وإذا به يعيش عيشة هنية، قوامها تحقيق مستلزمات الحياة الضرورية والكمالية له ولكافة أفراد أسرته.
بينما الآخر الذي غفل عن قدراته الكامنة التي لا يخلو أي إنسان مما يتميز به منها بدرجة ما، ولم يتعرف على تلك القدرات وينميها ويوظفها في تحسين سبل حياته ومعاشه، بقي في ذيل القائمة يراوح مكانه، يستجدي الآخرين العطف والعون والمساعدة في الحصول على أدنى ما يمكن القبول به مما يعد من أبسط حقوق الإنسان الذي يفترض أن يعيش عيشة كريمة تحقق له متطلبات الحياة المادية الضرورية ولو بحدودها الدنيا، ومما يزيد حال الغافل سوءا ومأساوية اعتماده على غيره، عالة ينظر إلى ما في أيديهم، وعبئا يحملونه على أكتافهم، وعلة تلازمهم لاستمرار حالته التي تستدعي المساندة الدائمة.
الحال نفسها تنطبق على الدول وعلى الأمم، فكل بقعة في هذه الكرة الأرضية فيها مواد خام، وفيها مصادر ثروات طبيعة متنوعة متعددة، بعضها معلوم، وبعضها الآخر مازال كامنا ينتظر العقول المفكرة للتعرف عليه، والكشف عنه، والتعريف به، فالدول التي تعرفت على مقدراتها المادية، وعرفت مصادر مواردها الخام والطبيعية، ووضعت الخطط لاستثمارها، وصاغت البرامج العملية لانخراط افرادها وتدريبهم على عمليات التشغيل والتوظيف، حققت ازدهارا اقتصاديا يتنامى سنويا في معدلاته، انعكست آثاره الإيجابية على حياة الفرد والمجتمع بصفة عامة، وبهذا اكتسحت هذه الدول الأسواق العالمية ونافست غيرها بل أزاحته من ميدان التجارة لتتبوأ مكانة الصدارة والتفرد.
بينما الدول التي غفلت عن مقدراتها، وأهملت مصادر ثرواتها، بقيت تراوح مكانها، تتخبط في غياهب الفقر، والاعتماد على معونات الذل والإذلال، مسلوبة الإرادة، أين ما اتجهت تجد الشواهد بينة على سوء الحال بصورة تفوق التصور والخيال، سواء على مستوى الأفراد، أو على مستوى البنية التحتية والخدماتية.
وأخطر صور الغفلة وأشدها ضررا، انشغال رب الأسرة وانصرافه عن أبنائه وعن وتربيتهم، ومتابعة سلوكاتهم، وتركهم فريسة للوحوش البشرية تغتال براءتهم، وتزج بهم في أنفاق مظلمة مليئة بكل عناوين الانحراف المهلكة، فهل من مستيقظ؟.