أظن- وبعض الظن ليس بإثم- أني لم أخطئ في هذا الاشتقاق اللغوي الجديد (تأمْرَر): من (المؤامرة والتآمر). اجتهدت في ذلك، فإن أصبت فالحمد لله على توفيقه، وإن أخطأت؛ فمالي عذر إلا أني حاولت وكفى.

تبدو المؤامرة وكأنها شرعة دولية تمارس تحت شعار

المصالح فقط. لا فرق بين أن تتواطأ دولة مع دولة أو جماعات وأفراد، وبين الممارسات السياسية المتبعة بين هذا القطر وذاك. السياسة- كما هو متعارف عليه- ليس فيها صداقات دائمة ولا عداوات دائمة، وإنما مصالح دائمة. التآمر هو في نهاية الأمر، سياسة من نوع خبيث، وتواطؤ يقود إلى غايات ليس شرطاً أن تكون نظيفة أو نزيهة أو مبرأة.

ما لفت نظري في التعليقات على مقالي يوم الأحد الفارط، الذي تحدثت فيه عن: (حتمية فشل الإرهاب وسقوط القاعدة)، أن الأخ عبد العزيز حسين، يضع مجموعة من قضايانا ومصائبنا التي تعصف بنا في (سلة المؤامرة). كل ما نتعرض له من انكسارات وانتكاسات؛ هو نتيجة لمؤامرة خارجية ولا شيء غير ذلك. أنا لا أعترض على رأي كهذا، فالقارئ الكريم حر في اعتقاده، وفي قراءته وتفسيره للحوادث ونسبتها إلى ما يراه هو، وهو لم يكن وحده الذي يقول بهذا الرأي. ملايين الناس في عالمينا العربي والإسلام - ربما- يعتقدون أن أسامة بن لادن صنيعة أميركية، والقاعدة منظمة صهيونية، وهزائم المنتخب؛ مؤامرة خارجية، وأزمة الشعير مؤامرة استرالية..! إلى غير ذلك مما يمكن أن يندرج تحت عنوان: (كل بلاء حل بنا؛ هو من صنع أعدائنا)..!

الأخ عبد العزيز حسين يقول نصاً: (أنا لا أؤمن بشيء اسمه القاعدة؛ بل هم مجموعة من المارقين والخارجين عن الشرع. القاعدة اسم خطط له ورسمه الغرب، وأشاعه الإعلام الغربي. أيضا ابن لادن في اعتقادي أنه مات من زمان، ولن يلعب علينا الأميركان لغاية في نفوسهم الله أعلم بها. وأيضا مسألة الاعتداء على البرجين.. كلها لعبة صهيونية خبيثة، سوف تتكشف مع مرور الأيام والسنين، كما انكشف الكثير من المؤامرات).

لا أحد يستطيع نفي التآمر والمؤامرة بين الدول، وحتى بين الأحزاب والجماعات والأفراد في البلد الواحد. هذه طبيعة بشرية منذ الأزل. المولى عز وجلّ في القرآن المجيد قال: (ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها). ألهمها الفجور والتقوى ابتداءً، علمها الشر والخير، والطاعة والمعصية، فقدم الفجور على التقوى، لأن النفس البشرية مجبولة على ذلك. وهذا لا يعني بطبيعة الحال، أن كل ما يحل بنا كدول وشعوب، هو بسبب الغير الذي يتآمر علينا. هو يتآمر، ونحن نتآمر، ليس عليه فقط ولكن حتى على بعضنا البعض..! المشكلة ليست فيمن يتآمر ومن يقع في مصيدة التآمر، ولكن فيمن يتأمْرَر ويتحَمْرَر، ثم يقعد على الطريق يلوم ويلطم ويشتكي..!

أميركا والغرب والصهيونية العالمية.. الكل يتآمر علينا في كل صغيرة وكبيرة.. المتآمرون أوجدوا ابن لادن، وأوجدوا القاعدة، وقتلوا ابن لادن منذ زمن طويل، وهم الذين فجروا برجي التجارة في نيويورك.. لماذا إذن نتأمْرَر نحن ونتحَمْرَر بأن نصبح أدوات في أيديهم، ندخل في تنظيم القاعدة الذي صنعوه، ونحمل السلاح ونقتل بعضنا..؟! نتحلق حول ابن لادن الذي صنعوه، ونستمع لهراءاته، ونمتثل لتخريفاته، ونُكفِّر ونُفجِّر في مدن وعواصم بلداننا..؟! نقود الطائرات في الجو، ونفجر برجي نيويورك، لأنهم هم يرغبون في ذلك وفق نظرية المؤامرة..؟!

لماذا كل هذا التّأمْرُر والتّحمْرُر..؟! نفشل تربوياً؛ ثم نحيل فشلنا إلى نظرية المؤامرة..؟ نفشل اقتصادياً، ثم نعزو خيبتنا إلى نظرية المؤامرة..؟ نخسر حروبنا مع أعدائنا في فلسطين، ثم نعلق هزائمنا على نظرية المؤامرة..؟ نقتل بعضنا في الشوارع، ونحطم المحال التجارية، ونحرق السيارات ومحطات الوقود، ثم نشير بأصابع الاتهام إلى المتآمرين خارج حدودنا..؟!

هل رأيتم شيخاً أميركياً أو أوروبياً أو صهيونياً على قناة فضائية يكفر ويفسق ويعلمن في خلق الله..؟! هل تم ضبط من هو غير عربي وغير مسلم في غزوة تفجير وقتل في مدينة عربية واحدة..؟!

ما دمنا نحن الذين نرتكب كل هذه الحماقات في بلداننا وضد مواطنينا وأهلينا، وأن هناك من خطط لها، ودفع من أجلها، وحرض عليها، ودفع إليها من المتآمرين في واشنطن أو باريس ولندن وتل أبيب، فلماذا نحن نبوء بذنب التنفيذ..؟! لماذا نحن الذين نحقق للمتآمر غايته في الإجهاز على كياناتنا السياسية والثقافية والاجتماعية، من خلال تقسيم المقسم، وتجزئة المجزأ، وتفتيت المفتت..؟!

لا أنفي وجود المؤامرة في هذا العالم. نظرية المؤامرة كما قلت؛ هي شرعة دولية، وهي وجه آخر للسياسة التي تحكم العلاقات الدولية، وحتى الفرقاء في البلد الواحد، ولكني أستعجب من اللجوء إلى هذا الصندوق الأسود، لمن يريد أن يدفن رأسه، بأن يداري فشله، ويبرر خيباته، ويواري ضعفه وهوانه، ويعلل نكساته وهزائمه، ويعلق على شماعة المؤامرة، جهله وحمقه.

هب أن كل العالم في قاراته كافة، يتآمر علينا نحن العرب والمسلمين. من أجل ماذا؟ لا أدري. على كل حال.. هب ذلك.. فماذا نحن فاعلون من أجل أن لا نقع فرائس للمتآمرين، ونطائح للمتناطحين، وحمير جراد للمتكسبين على ظهورنا..؟!

لماذا نحن من بين البشر، نتأمْرَر هكذا بسهولة، ونتحمْرَر هكذا ببلاهة..؟ مثلنا مثل أولئك الآخرين من بيننا، الذين يتساحرون فيُسحرون في نهاية الأمر، فيمرضون، ثم يقعون في شِباك المتآمرين من السحرة، والدجاجلة، وصائدي الفرائس من بين ضعاف النفوس.

من يهن.. يسهل الهوان عليه..

ما لجرح بميت إيلام