* من مِطلٍ “ قاسيوني” جميل لم نرَ دمشقَ “تعانقُ الشهبا” كما تخيل أو اختال شاعر؛ فمرافقونا السوريون - على امتداد عقدين من الزمن وبالرغم من اختلاف هُويّاتهم وانتماءاتهم - لا يكادون يهمسون بإجابة سؤالٍ غير عابرٍ يكرره الجميع؛ فالصورةُ تحكي إبداعَ الموقع وبؤسَ الواقع؛ ولو دانت لسواهم لكانت منتجعًا سياحيًّا عالميًّا، وحين يبتسمون يلتفتون يمنةً ويسرةً ويكررون إجابةً لم تتبدل: الهاجسُ الأمني.
* لم يُساورنا خوفُهم فلا شأن لنا بوجود قصرٍ قريب أو انتشارٍ استخباراتي خرج لنا يومًا من بين الشجر الكثيف الملتف حين كنا “ثلاثةٌ من الأصدقاء” نسير فوق ذرى هذا الجبل منحدرين نحو دمشق دون أن نجد سيارةَ أجرةٍ فارغةً؛ فقادنا المشيُ للمشي دون أن نغادر الطريق العام، وفجأةً خرج إلينا شرطيٌ من حيث لا ندري ليحقق معنا: كيف ولماذا وإلى أين؟ ولو كنا من بني أبيه لاستضافنا أحد مكاتبهم “الفارهة”.
* تعود الحكاياتُ القديمةُ حين تتجددُ ذكراها، وكنا نتجاوز هذا الجبل بما لا يزيد على مائة كيل لنعبر خط الحدود نحو لبنان؛ فإذا نحن في عالمٍ أولَ مقابل عالمٍ عاشر، وهو ما كنا نحسُّ به حين نجتاز “سان دييغو” الأميركية نحو “تيخوانا” المكسيكية؛ وظلّ صغارُه الذين كبروا يرفضون النزول من السيارة لما يرونه من معالم الفوضى والفجوة الهائلة بين مدينتين في أميركا الشمالية لا يفصلهما سوى جدار من بضعة أمتار، وبالرغم من محاولة الاحتيالٍ عليهم لزيارة سوريا من لبنان فقد كان موقفهم مشابهًا إثر زيارةٍ يتيمةٍ لم تبرحْ أذهانَهم فلم يروا ما يدعوهم لتكرارها.
* لم نحكِ عن القتل والسحل؛ فقد قيل ما قيل إن واقعًا أو أدنى، لكن المؤشرات مبشراتٌ بزوال الطاغية وتمني نهاية الطغيان؛ ليمثُل بعده تدمير الأوطان على يد الجلاوزةِ الذين يُسخِّرون مقدّراتها لطباعهم وأطماعهم؛ فيُثرون ويفتقر الناس، ويأنس الحاكمون فيبتئس الحالمون، وتنمو الأمم الحرة وتنام الأمم المستعبدة.
* سوريا ومماثلاتها نماذجُ لما يصنعه السلطويُّ الجشعُ في كل مستوياته التنظيمية؛ أكان قائدًا أوحدَ أم إداريّا أعلى، وفي الوزير والوكيل والمدير العام صورٌ مشابهةٌ لمن يسخرُ إمكانات جهازه الكبير لخدمة أهدافه الصغيرة، ثم يرحل وقد بنى وابتنى، وصار ذا اسمٍ ورسم ووسم، ولم يكن قبل الكرسي مذكورا.
* زحام المناصب سقوطٌ في وحلِ المؤقت؛ فالدائرةُ التي أحاطت به هي ذاتها التي ستقذفه، والهالةُ التي ظنّها وشاحًا ستخبو فتتحول إلى شبح، ومكاسب الدنيا غير المشروعة سيطوقُها؛ أكانت شبرًا أم تبراً.
* كثيرون يهنئون ذوي الكراسي المتورمة، ولو صدقوا لأشفقوا عليهم؛ فلا يدوم على حالٍ سوى معادلة الأجر والوزر لمن يحسن مثقالَ ذرة أو يسيءُ.
* المستبد لا يستعد.
ibrturkia@gmail.comt :@abohtoon