جاءت الشريعة الإسلامية السمحة بأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح فلهذا لا يقول المرء قولا أو يفعل عملا ويظن أن هذا وقته ثم بعد فترة يحصل عكس ما كان يظن، فعلى كل مسلم أن يدرك أن الكلمة سلاح ذو حدين فإن كانت هادفة فهي التي تبقى وتنفع الناس، أما الطائشة وغير الموزونة فضررها عظيم فزلات اللسان توقع في مزالق قد لا يستطيع المرء الخروج منها بسلام.
إن زلة القدم أهون بكثير من زلة اللسان رغم أن لكل منهما مخاطره ولكن للكلمة خطورتها العظمى وضررها الكبير على النفس والمجتمع فكل كلمة يتلفظ بها المرء محسوبة له أو عليه وسيسأل عنها وسيحاسب عليها يوم القيامة قال الله تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}، وجاء في قوله صلى الله عليه وسلم: (من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه) وقوله عليه الصلاة والسلام: (فليقل خيراً أو ليصمت) وقديما قيل: (كم من كلمة قالت لصاحبها دعني) فالكلمة غير المسؤولة والتي تدعو إلى وجود بلبلة بين الناس أو تؤجج الفتن وتثير النعرات وتهيج العامة وتسبب الفوضى في المجتمع والامة هي من الأمور المحرمة شرعاً لأنها من أعمال الشيطان الذي يحب أن تثور الفتن بين المسلمين، والفتنة أشد من القتل لهذا وجب على المرء أن يقول الحق ويعدل ولا يغلب هواه، والشيطان من أجل تحقيق شهرة أو مكاسب شخصية ثم الحذر كل الحذر استحسان أي قول أو فعل قبل أن يفكر في عواقبها خاصة في هذا الزمن الذي توالت فيه الخطوب والأحداث العاتية حيث يحاول أعداء أمتنا الكيد لنا من كل جانب للنيل من وحدتنا ولحمتنا والتفافنا حول قيادتنا وزعزعة أمننا، ولكن مع الاسف لا تزال تخرج علينا بين الفينة والاخرى فئة من الناس من نحسبهم والله حسيبهم من الاخيار بأفعالهم واقوالهم الشنيعة فأصبحوا من الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ونشر الفساد في الأرض معتقدين أن ذلك من الإصلاح وهي والله الفساد والخراب وهم يسعون إلى تحقيق الشهرة وما علموا أن ذلك هو انحطاط قدرهم وسقوطهم من أعين الناس الذين كانوا يظنون بهم خيراً.
إن الخيرين هم الذين يدعون إلى جمع الكلمة ووحدة الصف واعتصام الامة بحبل الله جميعاً وعدم التفرق والتشتت والاختلاف وانهم ليتبرؤون من اولئك الذين يودون إثارة الفتن بأفعالهم وأقوالهم السيئة لأنهم يعلمون أن في وحدة الأمة قوة ونصرا وأن ذلك مما يغيظ الاعداء وان في اختلافها يفرح اعداؤهم فلهذا كانت مواقف سلف الأمة من العلماء والصالحين رحمهم الله في كثير من الامور مع ولاتهم وأمرائهم وقادتهم حيث لم يعملوا على الوقوف ضدهم أو الخروج عليهم حتى في أحلك المواقف فموقف الامام أحمد- رحمه الله- وأمثاله خير دليل على ذلك بل إنهم يدعون إلى وحدة الصف ونبذ الفرقة والاختلاف ولكننا اليوم ابتلينا بفئة انحرفت عن الطريق السوي، ومن الأمور العظيمة التي ابتلينا بها وضرت بالأمة خروج بعض المحسوبين عليها من ابنائها مع الاسف أو من أشباه علماء كما في قول من رغب في إشهار سيفه في وجه الفساد وما علم أنه بقوله هذا الفساد بعينه فلم ينظر إلى المفسدة التي قد تحصل من إثارة للفتن وفتح باب شركان يجب سده لو انه سكت أو فكر بعقل متزن وحكمة وروية ولكن أحيانا تكون الشهرة وحب الظهور والاضواء البراقة تعطي كثيرا من المتحدثين الفرصة في الاسترسال في كلامهم والخوض فيما لا يعنيهم متذرعين أن مكانتهم الوظيفية أو العلمية تحميهم من كل سؤال أو انتقاد فحصلت كثير من التجاوزات والهفوات ممن نظنهم يقصدون الوعظ والارشاد للناس ولكنهم اتخذوا برامجهم وسيلة لأمر ما في نفوسهم فكان ظاهرهم الدين وباطنهم مصالحهم الشخصية وأهداف يودون الوصول اليها، وهذا والله خطر عظيم ويسبب الشر والفتنة فصرنا في وضع يؤسف له ويندى له جبين كل محب ومخلص لهذا البلد وقيادته.
ولاشك أن هناك من يضمر الشر لهذه البلاد وأهلها ولا يحب الخير للأمة ونحن في هذا الوقت الذي تتجاذب الأمة الإسلامية كثير من الفتن في أمس الحاجة إلى تآلف اللحمة الوطنية.. إن إثارة البلبلة والتأليب ضد الولاة والتقليل من شأنهم من الأمور التي يفرح بها اعداء الأمة لأنها وسيلة لحصول صراع تيارات متجاذبة في هذا العصر، وهذا أمر في غاية الخطورة وأن التقليل من شأن الدولة وهيبتها مما يضعف الصف والوحدة وخلق أزمات تسبب الزعزعة في أركان الثقة بين المواطن وقيادته وهو بحد ذاته جريمة في حق الوطن الذي يحتاج إلى رؤية وطنيه تبني ولا تهدم وتجمع ولاتفرق وما يحدث من بعض المرجفين لا يصب في مصلحة الوطن فنحتاج إلى قاعدة صلبة من المواطنين الصالحين الذين يذودون عن الوطن وقيادته والمحافظة على أمنه واستقراره، وفي أمس الحاجة ايضاً إلى كل منبر يكون منطلقاً للتأليف لا للتنفير، وأن تكون تلك المنابر أو وسائل الإعلام وسيلة للنصيحة الهادفة والكلمة الواعية لا أن تكون مدعاة للتحريض ونشر الفتن بين الناس وقادتهم وألا تكون كذلك مكاناً للانتقام الشخصي وكسب المصالح فهناك من المندسين بيننا من أعوان الشر من يتحينون الفرص لتفريق الأمة وتمزيق وحدتها وبعثرة شتاتها أن بعضهم يحاول أن يستغل الدين لدى كثير من الناس في بلادنا لتأجيج الفتن والابتزاز لمصالحه الشخصية محاولاً في الوقت نفسه إلى القول (نحن هنا) بعد أن تجاهله الكثير بعد قناعتهم بمقاصده فليتق الله من يجعل حبائل الشيطان مطية لنشر الفساد والإفساد بين صفوف المجتمع والأمة، وعليه تحمل الامانة والمسؤولية وتغليب المصالح العامة ومصلحة الوطن بالدرجة الأولى على المصلحة الشخصية ومعالجة مشاكلنا بالاسلوب المناسب والحوار الهادئ والهادف بعيداً عن التعصب وفق ما جاءت به الشريعة والابتعاد عن الاتهامات الجوفاء والتخوين أوالتحريض والنصح الصادق والمناصحة الصحيحة هي التي جاءت وفق الشرع المطهر ونهج الاسلام في مبدأ النصيحة واضح، فالمناصحة بالمجاهرة أو التحريض بالإثارة أمر غير محمود شرعا فلهذا وجب مناصحة الشخص وخاصة المسؤول بسرية واحترام حتى لا تخرج إلى امور لا تحمد عقباها وتكون مدعاة لتأليب الرأي العام على مؤسسات الدولة أو مسؤوليها وتتسبب في وجود الاخلال بالأمن الوطني، فما أحوج الناس اليوم أفراداً وجماعات إلى الاعتدال والإنصاف الذي علمنا اياه هذا الدين العظيم والابتعاد عن كل ما يدعو إلىالفتنة والفرقة والاختلاف قولاً أو عملاً وليكن نقدنا بناء وهادفا نابعا من حب الخير للبلد وأهله والدفاع عن مصلحة الناس جميعاً فلنتعاون جميعاً على الاحتفاظ بوحدة الوطن والشد من أزر القيادة وحماية منجزات ومكتسبات البلد الذي تحقق بفضل الله ثم بفضل حكومتنا ايدها الله ونبذ كل السلبيات التي تؤدي إلى التشكيك في الاخلاص لولاة الأمر والمسؤولين لكي نكون من أرقى الأمم والشعوب تحضراً والدولة اعزها الله دائماً تنظر بعين بصيرة ونظرة ثاقبة في معالجة الأمور والاحداث بالتسامح والعفو والصفح عمن يسيء اليها الا من يتعرض لأمر ديني أو شرعي أو يمس هيبة الدولة وسياستها فإنها لا تخاف في الله لومة لائم ولم يكن ذلك التسامح من القيادة حرسها الله مع كل من اخطأ تهاوناً أو ضعفاً لا والله ولكنه العظمة والحكمة والصبر والتأني.
وختاماً أوصي نفسي وكل كاتب أو قائل في وسائل إعلام مقروءة أو مسموعة أو مرئية تقوى الله عز وجل لكل ما ينفع الأمة ولا يضرها يجمعها ولا يفرقها تحت مظلة الإسلام والقيادة الراشدة، قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه ونسأله أن يهدي ضال المسلمين وأن يوحد كلمتهم وأن يحفظ علينا امننا الذي به نسعد وديننا الذي هو عصمة أمرنا وأن يعز حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير نايف بن عبدالعزيز إنه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين اولاً وأخيراً وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيراً..