الرؤيا لها شأن في حياة الناس، يرى الإنسان الرؤيا أو ترى له فتفرحه وتبهجه ويسعد بها ويحب أن يتذكرها، ويرى المرء رؤيا فتزعجه ويضيق بها صدره فيود أن ينساها ويستعيذ بالله منها.. وليس المقصود هنا بيان المنهج الشرعي للرائي تجاه ما رأى، وإنما التنبيه إلى حال من يؤول الرؤيا ويفسرها، فلقد سمى الله تعالى في كتابه تفسير الرؤى بالفتوى، كما قال سبحانه عن ملك مصر لما رأى رؤيا عظيمة قصها الله تعالى في قوله: (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ) قال بعد ذلك: (يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ) (يوسف:43).
وإذا كان الله سمى تأويل الرؤى فتوى فإن ذلك يدل على خطورة أمرها، فالفتوى كما هو معلوم لها شروطها وأدواتها التي يجب على المفتي التحلي بها، كما أن أحكامها لها أهميتها وخطورتها على المستفتي، ومن هنا فإن الواجب على من يتصدى لتفسير الرؤى أن يتقي الله عزَّ وجلَّ في تأويلاته وتعبيراته فلا ينطق عن الهوى ولا يصدر أحكاماً بغير علم، أو يتخذها مغنماً ومكسباً.
كما أن الرائي للرؤيا ينبغي عليه أن يتحرى من كان عالمًا ناصحًا تقيًا عالمًا بكتاب الله، فيقصّها عليه، ولا يقصّها على جاهل أو سفيه أو حاسد، خلافاً لحال بعض الناس ممن تجده يقص رؤياه على كل من قابله عرفه أو لم يعرفه.. ولهذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم صاحب الرؤيا بقوله: «وَلاَ يُحَدِّثُ بِهَا إِلاَّ لَبِيباً أَوْ حَبِيباً»رواه الترمذي. وفي رواية أخرى: «لاَ تَقُصُّوا الرُّؤْيَا إِلاَّ عَلَى عَالِمٍ أَوْ نَاصِحٍ».
واسمع إلى يعقوب عليه السلام حين يقول لابنه يوسف عليه السلام: {يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} يوسف 5.
وسئل الإمام مالك: أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال: أبالنبوة يُلعب؟، وقال رحمه الله: «لا يُعبِّر الرؤيا إلا مَنْ يُحْسِنُها، فإن رأى خيرًا أخبر به، وإن رأى مكروهًا فليقل خيرًا أو ليصمت». ومن هنا قال أهل العلم: ينبغي أن لا تقص الرؤيا إلا على معبر يحسن التأويل، ويجب على من لا يعرف علم التعبير أن لا يُعبِّر رؤيا أحد، فإنه يأثم على ذلك؛ لأنَّهَا كالفتوى، وهي في الحقيقة علم نفيس.
* المحاضر بقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية