يقول الأديب المصري عباس العقاد في كتابه (عبقرية محمد) وهو يوضح ما لاقاه صلى الله عليه وسلم من صمود قومه في مواجهة دعوته: «لا يعاب عليه أن يحارب بالسيف سلطة تقف في طريقه، وتحول بينه وبين أسماع المستعدين للإصغاء»، ثم يؤكد بقوله «لأن السلطة تزال بالسلطة، ولا غنى عن إخضاعها عن القوة».
ثم يعقب ويعلل «لم يكن سادة قريش أصحاب فكرة يعارضون بها العقيدة الإسلامية، وإنما كانوا أصحاب سيادة موروثة وتقاليد لازمة لحفظ السيادة في الأبناء بعد الآباء، وفي الأعقاب بعد الأسلاف، وكل حججهم التي يذودون بها عن تلك التقاليد أنهم وجدوا آباءهم عليها، وأن زوالها يزيل ما لهم من سطوة الحكم والجاه» أهـ. المكتبة العصرية ص34.
ما يحدث في سورية الآن، مشابه سياسياً لما حدث في القرن الأول منذ بعثة نبينا، في دفع الحق ورفضه والوقوف في مواجهة التحركات الداعية إليه، بحجة الوراثة القومية التاريخية، فكما أن الأوائل من كفار قريش كانوا يفتقرون للرؤية والفكر والوضوح والمنهج، فحكومة بشار أيضاً مفلسة وخالية من الفكر والرؤية والوضوح والتنظيم المنطقي الإستراتيجي.
وما مر بالدول العربية في الآونة الأخيرة لدليل وبرهان على أن الحكومات والسلطات الإدارية والسياسية من أعلى الهرم أفقياً وعمودياً لم تكن تستعمل سوى القوة والردع والتخويف وتوظيف الكوادر والطاقات الأمنية لفرض سيطرتها وتوسيع نطاق حكمها ونظامها، وإلا فلو كانت تلك الحكومات لديها مشاريع وبرامج إصلاحية قائمة على العدل والحرية والمساواة وتوفير الفرص لدى كل مستحق وباحث ومحتاج، هل كانت ستواجه صرخة الشارع بصرخة المدفعية والسلاح؟.
الظلم عواقبه وخيمة ومأساوية على مرتكبيه مهما طال الزمن، وأعظم درجات الظلم بعد الشرك بالله، هو مبيت رئيس دولة ليلة واحدة يعيش في كنفها ملايين البشر بمختلف طبقاتهم وأحوالهم الاجتماعية والاقتصادية والصحية والفكرية والعلمية والمهنية لم يكلف نفسه عناء التخطيط والتنظيم والإعداد لوضع برامج علاجية ووقائية وإنمائية تحد من أوجاع مواطنيه وشعبه، هل تجاهل بعض حكام العرب والأمة الإسلامية قصة بغلة عمر رضي الله عنه، الذي خشي أن يكون سبب تعثرها سوء التعبيد أو لتدني الحالة الأمنية فتكون سبباً لمساءلته أمام ربه عز وجل.
ما يجري في سورية لا ينهيه سوى الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري والإعلامي والتنظيمي الخارجي والداخلي للثوار، أؤكد لكم من خلال المقارنة بين واقعتين تاريخيتين في عصر النبوة برئاسة كفار قريش وحالة الوضع في سورية بأن التاريخ وإن تباعدت مسافاته الزمنية وفارق بينها 1400 عام، فستظل المسافة قريبة جداً على الواقع السياسي ونتائجه وما حدث في نهاية ذلك الصراع الدموي والفكري والعنصري، لذا يخطئ من يعتقد بأن النظام المتوحش في سورية سيزاح عن السلك والدائرة السياسية نتيجة لمطالبات سلمية واقعية تفرضها متغيرات الحياة وتطلعات المستقبل وإنما يزاح بالقوة التي هي الخيار الوحيد.