يختلف الناس في كل شيء لكنهم يتفقون على حقيقة الموت والقدر الذي كتبه الله سبحانه، لكن الله عزَّ وجلَّ جعل للموتى عند رحيلهم صورًا وأشكالاً وسيرًا ترتسم في مخيلة بني البشر.
ارتبطت صورة الشاب الخلوق تركي في مخيلتي خلال 22 سنة مضت من الصداقة بعبارة (الحي يحييك)، وكنت حينها في مقتبل الشباب التقيه دومًا مع بعض من أبناء عمومته وفي مقدمتهم الصديق الحميم خالد بن محمد الزهيري وكذا رفقة كبيرة وطيبة من أصدقاء آخرين وفقهم الله وجمعنا وإياهم يوم لا ظل إلا ظله.
في كل مرة أصافح فيها تركي تحديدًا يبادرني بمقولة (الحي يحييك) فأسمع منه عبارات ترحيب جميلة وأخوية تخجلني في غالب الأحيان أن أرد أو أرفع النظر له أو إلى غيره ممن يسمع.
كان في كل مرة التقيه يبدأ بالحديث والسؤال كثيرًا عمّا يدور من أحداث في المجتمع، لأني ربما كنت حينها في -نظره شخصيًا - قريب من موقع الخبر بحكم عملي في صحيفة (الجزيرة)، حيث لم يكن حينها أحد يصل بسهولة إلى ما هو متداول على الإنترنت أو وكالات الأنباء أو غيرها من أوعية المعلومات إلا في صباح اليوم التالي وعبر الصحف أو القنوات التلفازية.
كان شغوفًا وكثير السؤال عن أي جديد في عالم التقنية والحاسب والإنترنت وكذا السياسة، وكنت ألمحه كثيرًا في زاوية الحي عند البقال يقرأ الصحف ويتابع إلى درجة تجعلني أخشى من فوات أخبار مهمة قد تتداولها الصحف دون علمي حين يسألني عنها!..
هدأت الحياة ولم تعد تسير كالسابق، حتى لم يعد هناك كثير من الحس أو الخبر إلا في فترات متباعدة جدًا.
وبالرغم من ارتباط الإنسان بأعمال دنيوية تشغله وتلهيه في الحياة إلا أن طيفًا جميلاً يمرّ به أحيانًا كثيرة فيتذكر أهلاً أو أصحابًا وأصدقاءً أو زملاءً قد صرفته عنهم تلك المتاعب التي نلومها ونسميها - مشاغل الدنيا - لكن في كثير من الأحيان وفجأة تتوارد الخواطر وتكون القلوب - عند بعضها - فتجد الآخر يلتقي أو يتصل بمبادرة أو مصادفة لتعود الذاكرة ويعود الحنين والسؤال وكأن الوقت مضى كلمح البصر.
لكن آآآه من هذا الطيف وآآه من تلك الخواطر والقلوب.. فجأة ودون سابق إنذار تفاجئنا وتفجعنا بأخبارها القاسية ومعلوماتها المروّعة لتأتي بجديد لم نعهده وخبر لم نفكر فيه لحظة.
تركي مات.. يا رب يا الله، كيف وأين ومتى!؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.. لقد حان القدر بأمر القدير..
إن المشاعر والأحاسيس حين تهتز بفقد عزيز لا يمكن أن تصفها، ولا أن تمحوها بدمعة مغرورقة أو كلمة تأبين عابرة..
لكن من نعم الله على المسلم أن العزاء يغذيه وتذكي وحشته الذكرى الطيبة والسيرة العطرة.
فلله درك يا تركي بن عبد العزيز الزهيري، لقد أيقظتنا بفاجعتك، ونسأل الله الحي القيوم أن (يحييك) إلى الأبد في جنانه بعدما منّ عليك بـ 42 ربيعًا في أرضه.
خاتمة: للحسن التهامي
فالعيشُ نومٌ والمنيَّةُ يقظةٌ
والمرءُ بينهما خيالٌ سارِ
فاقْضوا مآربكم عِجالاً إنَّما
أعمارُكم سَفَرٌ من الأسفارِ
عبدالإله بن محمد القاسم