تحديد بعض سمات شخصية الإنسان من خلال خَطِّه أو توقيعه علم مجرّب ومعترف به.. فالخط يقول ويفصح عن صاحبه.. هل هو متوتر أم مرتاح، هل هو اجتماعي أم انطوائي، هل هو مسالم أم مشاكس.. إلخ.. أي أن الخط يمكن أن يقدّم صورة داخلية لشخصيتك.. ويمكن أن يقول ما لم تقله الكلمات التي كتبتها.. وأيضاً يمكن أن يقول ما لم تكن تريد قوله أنت.
وصف صحفي محترف وهو الأستاذ فهد عافت رسائل البريد التي تصل إلى الصحيفة التي يعمل بها قائلاً: (الخطوط المعتنى بها كثيراً دليل على عدم تعوّد أصحابها على مراسلة المطبوعات، وتحمل في طياتها رسمية متقصدة، خطوط البنات تكون صغيرة وفي أوراق ذات خلفيات ملوّنة شفّافة، مزركشة الأطراف، وبثلاثة أقلام ملوّنة على الأقل، خطوط الرجال أنواع: سريعة ممتدة بلا أخطاء، تريد أن توحي بالثقة، وكونها بلا أخطاء تأكيد على أنها البروفة الأخيرة الناجحة لرسالة كُتبت أكثر من مرة، وخطوط تحسّها بطيئة، تقول لك إنها اعتنت بك، وتطلبك الاعتناء بها، خطوط مائلة رغم وجود التسطير، وأخرى مستقيمة رغم غياب التسطير، خطوط جميلة لكنها ليست واضحة، وأخرى واضحة لكنها ليست جميلة، هذه الأخيرة كانت عملية أكثر من غيرها، ولكل خط رائحة، ولكل خط روح، ولكل منها حكاية، وطريقة في التعامل).
ظل الخط وسيلة الكتابة الأولى لكل العصور ثم تحول إلى وسيلة آلية في عصرنا الحالي.. وبقدر ما ربح الخط في هذا الانتقال من وضوح وانضباطية ودقة بقدر ما خسر الإنسان إحدى الحواس التي يمكن أن يرى بها أخيه الإنسان.. بمعنى آخر أن الإنسان بقدر ما فقد وسيلة للتواصل إلا أن الخط كسب وسيلة للتوصيل ذات وضوح عال وهي غاية الخط الأولى.. أيضاً خسر الإنسان مع الخط الآلي مهارة إبداعية تمايز بها الأفراد.. وتقلص عدد الممارسين للكتابة باليد.. ونقل الخط إلى منزلة نخبوية فتحول إلى لوحات تشكيلية تزيّن بها حوائط المكاتب والمنازل.
وبقدر تأثير التحول إلى الكتابة الآلية على الخط.. تأثر الخط من عالم الاتصال.. الذي حول المكتوب إلى مضمون فقط.. غايته توصيل الرسالة بنمطية خط إلكترونية.. محيداً الخط من توصيل المضمون.. أما أكبر الضحايا للخط الإلكتروني فهي رسائل المعايدة أو التهنئة أو العزاء.. فقد فقدت روح الخط والإحساس بالجهد الذي بذل فيه.. أيضاً فقدت معنى المضمون.. فما على مرسل التهنئة مثلاً سوى اختيار صيغة متداولة ثم اختيار كل من في هاتفه وإرسال المعايدة.. وفقد متلقي الرسالة لهفة قراءة الرسائل.. واقتصرت الردود على من نخشاه أو نرجوه.