في يوم الأربعاء الموافق 18-6-1433هـ توفي ابن العم علي بن ناصر بن حمد الحميدة - رحمه الله - بعد أن أُصيب بنزيف حاد في الدماغ لم يمهله سوى خمسة أيام حتى انتقل لجوار ربه - رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته -.
لم يحصل علي الحميدة - رحمه الله - على شهادات عالية، ولم يتسنم مناصب رفيعة، ولا يمتلك أموالاً طائلة أو عقارات، لكن له - رحمه الله - رصيد من المحبة في قلوب الناس، وأود هنا أن أذكر بعض مآثر الفقيد - رحمه الله - من خلال المحاور التالية:
أولاً - تديُّنه وصفاته الخُلقية والسلوكية:
كان - رحمه الله - متديناً بالفطرة، حريصاً على أداء الصلاة جماعة، باراً بوالديه، واصلاً لرحمه، يخاف الله ويتورع عن كل شيء فيه شبهة، يحب النصيحة لمن يراه مخطئاً، باطنه كظاهره إن لم يك أفضل، كما عُرف بطيبة القلب وسلامة الصدر ونقاء النفس وصدق اللسان، لا يحمل حقداً ولا ضغينة لأحد، رجل كريم بكل ما يملكه ولو كان قليلاً، اجتماعي، مرح صاحب دعابة ومواقف طريفة، يُجمع الناس على حبه.
لقد كان يسعى لقضاء حوائج الناس وليس حاجته الشخصية، فقد جاء في حديث طويل إسناده حسن عند الطبراني وابن أبي الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم: (أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تُدخله على قلب مسلم، أو تقضي عنه دينه ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهراً،.. ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يتهيأ له أثبت قدمه يوم تزول الأقدام).
ومن الخصال والخلال التي اجتمعت في هذا الرجل الشهم، ما رواه البخاري (أربعون خصلة أعلاها منيحة العنز ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلا أدخله الله الجنة، ومن هذه الخصال.. إعانة المغلوب والضعيف واتباع الجنائز وتعزية المسلم والعدل بين اثنين..).، فقد كان - رحمه الله - حريصاً على الصلاة على الجنائز وتشييعها كل يوم جمعة إن لم تكن هناك جنائز أثناء أيام الأسبوع.
الذي أعرفه أنه منذ أكثر من عشرين سنة وهو مداوم على الحج إلا لعذر طارئ، والغالب أنه لا يحج بمفرده، بل يُحجج معه آخرين ويسعي في خدمتهم وقد رافقته في عدة سنوات في الحج وهو أكبرنا سناً وهو الذي يقوم بخدمتنا ويقوم أيضاً بخدمة الحجاج الآخرين من توزيع الصدقات والنفقات والوجبات.
وكان - رحمه الله - مداوماً على العمرة في العشر الأواخر من رمضان والأغلب أن تكون في ليلة سبع وعشرين ولا يعتمر إلا ومعه رفقه من أصحابه وهو الذي يقوم بترتيب السفر لهم ويقوم بخدمتهم.
كان - رحمه الله - يُناصر المظلومين وأصحاب الحقوق، وله في ذلك قصص ومواقف لا نسمعها أو نقرأها إلا كنوادر قصص الشهامة القديمة في الأزمنة الغابرة وسوف أذكر موقفاً منها لاحقاً.
لقد كان يقضي حوائج الناس بالذات في حجوزات الطيران في مواسم الحج والعمرة في رمضان التي تزدحم بالركاب، فكم من عالق بالمطار وقف معه إلى أن أقلع على أقرب رحلة، ومن طرائف المواقف أن أحد الدعاة لم يتيسر له رحلة ولا عن طريق موظف بالخطوط السعودية إلا أن أبا ناصر - رحمه الله - استطاع بعد توفيق الله - عز وجل - أن يدبر أموره ويغادر الداعية إلى الوجهة التي يريد.
ثانياً - أعماله الخيرية في وجوه البر والإحسان:
اتجه - رحمه الله - إلى العمل الخيري ورعاية بعض الأسر الفقيرة وإيصال الزكوات والصدقات لهم مع العلم أنه - رحمه الله - ساعٍ في الخير ووسيط وهو دائماً يذكر أن هذه المبالغ ليست منه وكان - رحمه الله - شديد الحرص على التأكد من حاجة العائلة وأنها فعلاً مستحقة للزكاة، وتبيّن لنا أنه يُتابع أحوال أسر كثيرة ما كنا نعرف عنه أنه بهذا الحجم وبهذا المستوى مع أنه جهد شخصي وليس جهداً مؤسساتياً وإنني سوف أورد في هذه المناسبة بعض المواقف التي تأكدت منها وهي كالتالي:
1 - ذكر لي أحد زملائه الذين أفاء الله عليهم - أثناء العزاء بعد أن دار الحديث عن رعايته للأسر الفقيرة قال: أنا أعلم شخصياً عن بعض هذه البيوت وهو - رحمه الله - يجمع لهم الأموال ولا يحتقر - أي مبلغ ولو كان قليلاً حتى يجتمع له المبلغ المطلوب وكان في أحيان يقدم لهم مبالغ مالية وفي أحيان أخرى يقدم لهم مواد غذائية ونحوها.
2 - وحدّثني أحد النظّار على بعض الأوقاف أن علي الحميدة - رحمه الله - كان يقوم بالإشراف على مشروع تفطير صائم في عدة مساجد في بريدة منذ عام 1415هـ.. وكان - رحمه الله - يتابع بعض المساجد التي تحتاج إلى فُرش أو موكيت أو أجهزة تكييف أو إصلاح لدورة المياه أو كهرباء ونحو ذلك، ويقول إنه - رحمه الله - محل الثقة والتقدير.
3 - حدثني أحد زملائه بأن هناك شخصاً معاقاً وهو موظف بسيط في إحدى الدوائر الحكومية فصارت عليه ديون وعلى أثرها تم سجنه وهو معاق في سجن المستشفى فاستطاع علي الحميدة - رحمه الله - أن يسدد نحو 80% من المبلغ مع العلم أنه لا يعرفه إطلاقاً.
4 - وحدّثني أحد زملائه من الرقاة الشرعيين أنه اتصلت عليه امرأة من مدينة الرس وذكرت أن ابنها مسجون في ديْن عليه فقام هو بدوره واتصل بعلي الحميدة - رحمه الله - وأخبره بقصتها فاتصل علي الحميدة - رحمه الله - بالمرأة ومن الغد صباحاً ذهب إلى الرس وتأكد وتحقق من الموضوع ثم سدد المبلغ فوراً ورجع إلى بريدة عصر ذلك اليوم بعد أن سدد الديْن عنه وخرج الرجل من السجن.
5 - وقال أيضاً أنه اتصل عليه أحد أصدقائه وقال له إن هناك عائلة في بريده قُطع التيار الكهربائي عنها لأنهم لم يقوموا بسداد المبلغ لمدة طويلة ولعدم توفر المبلغ فخلال سويعات قام علي الحميدة - رحمه الله - بسدادها عنهم.
6 - وقال صاحب محل مواد غذائية بالجملة إنه منذ سنوات وهو يشتري منه مواد غذائية بالجملة قبيل شهر رمضان ويقول إنها لفقراء ومحتاجين.
7 - آخر عمل عمله - رحمه الله - قبل أن يسقط إثر ارتفاع ضغط الدم عليه وهو يشتري برادة مياه - برَّد الله على قلبه وأنار الله ضريحه - لأحد المساجد.. وقد قال صاحب المحل إنه كثيراً ما يشتري منهم برادات مياه للمساجد.
8 - قام - رحمه الله - فيما أعلم بمساعدة مجموعة من الشباب على الزواج بعد التأكد من حاجاتهم للزكاة بالسعاية لهم عند التجار وتوفير مبالغ مالية لهم.
9 - قام - رحمه الله - بسداد ديون مجموعة ليست بسيطة من الشباب وغيرهم حيث ذكر أحد الثقات أن صاحب محل احترق محله وتحمَّل بسبب هذا الحريق مبلغاً ضخماً قاربَ المليون ريال ساهمَ علي الحميدة - رحمه الله - بمساعدته بجزء من المبلغ.
10 - قام - رحمه الله - بمساعدة بعض الشباب على أداء فريضة الحج أو العمرة في شهر رمضان وغيره على نفقة بعض المحسنين سواء من السعوديين أو من الإخوة المقيمين من جنسيات مختلفة
11 - كان - رحمه الله - يرشد الناس عبر رسائل الجوال للمشاركة الشعبية في دعم مشاريع الجمعيات الخيرية في الداخل والخارج.
12 - كان - رحمه الله - خيره ومساعداته ليست حصراً على السعوديين بل حتى الإخوة المقيمين والوافدين من جنسيات مختلفة كان يقدم لهم خدماته ومساعداته من ذلك:
أ - إن هناك شخصاً فلسطينياً كان أهله في فلسطين وحينما اشتد الحصار عليهم أراد أن يستقدم عائلته للسعودية فاستعان بعلي الحميدة - رحمه الله - حيث دبّر له الأمر حتى قدموا للسعودية ولمَّ شمل الأسرة.
ب - ومن ذلك أنه قبل وفاته بفترة بسيطة أحد الإخوة اليمنيين مقيم هو وعائلته وأُصيب بمرض واحتاج لمبلغ مادي فتكفَّل ابن العم علي الحميدة - رحمه الله - هو وأحد زملائه بجمع مبلغ استطاع أن يسدد عنه إيجار بيته ويوفر بعض المواد الغذائية لهم ويوفر قيمة العلاج له.
ج - كما أن أحد الإخوة المصريين مقيم تعرّض لظلم من كفيله وتعدٍّ واتهام بالهروب مع أنه مقيم في بيت كفيله وكفيله لم يسدد رواتبه قرابة السنة ليتخلص منه فأودع السجن حتى استطاع علي الحميدة - رحمه الله - أن يتأكد من الخبر ويتحقق فانتصر لهذا الأخ ممن ظلمه.. وكتب لصاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز - حفظه الله - وأمر صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بإخراجه من السجن والتحقق من وضعه وفعلاً خرج من السجن واستلم مستحقاته المالية بفضل الله.. ثم بفضل علي الحميدة - رحمه الله -.
ثالثاً - ميوله الرياضية:
وأود هنا أن أشير إلى أهم النقاط فيما يتعلق بميوله الرياضية في النقاط التالية:
2 - ذكر أحد الرياضيين القريبين من علي الحميدة - رحمه الله - أن الراحل علي الحميدة - رحمه الله - تركزت أعماله بنادي الرائد على ربط العلاقات بين الجميع وعلى أعمال الخير والبحث عن مساعدات للمحتاجين القريبين من النادي وفي خارجه.
3 - مع أنه اشتهر عنه ميوله الرياضية إلا أنه لم يسمح بأن يكون هذا هو الأساس في علاقته مع الآخرين ومدى انتماءاتهم الرياضية فهو طيب القلب ودود، حسن التعامل مع الجميع، وعلاقته كانت مع جميع فئات وطبقات المجتمع، فالذين بكوا على وفاته كانوا من جميع ألوان الطيف في الوسط الرياضي وخارجه.
شكر وتقدير:
نتقدم نحن أسرة الحميدة ممثَّلة بالعم ناصر بن حمد الحميدة وكافة أسرة الحميدة بخالص الشكر والتقدير لصاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز أمير منطقة القصيم - حفظه الله ورعاه - حيث تفضل مشكوراً أثناء ما كان علي الحميدة - رحمه الله - منوماً في المستشفى بالتكفل بنقله بطائرة الإخلاء الطبي.. وقال إن علي الحميدة جدير بالاهتمام والمتابعة وقال إن طائرة الإخلاء الطبي جاهزة إلا أن حالته كانت حرجة جداً، وتفضَّل صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز - حفظه الله ورعاه - بزيارة منزل العم ناصر لتقديم العزاء.. وقال إن علي الحميدة رجل حريص على عمله مؤدٍ لأمانة العمل.. وقال إنه استطاع أن يقدم خدماته للناس في مجال الخير وفق إمكاناته وقدراته.
كما نتقدم بالشكر والتقدير لسعادة وكيل إمارة منطقة القصيم الأستاذ سليمان بن علي السويلم - حفظه الله ورعاه - حيث تفضّل بأداء العزاء.. وقال لم أذكر أن علي الحميدة - رحمه الله - تقدَّم بطلب شخصي لمصلحته الشخصية، بل إنه يسعى في مصالح الآخرين.
كما نتقدم بالشكر والتقدير لسعادة وكيل إمارة منطقة القصيم المساعد الأستاذ عبد العزيز الحميدان - حفظه الله ورعاه - حيث أكد على المعنى السابق.. وقال إنه كان دائماً حريصاً على تقديم الملاحظات والمقترحات في مجال العمل.
كما نتقدم بالشكر والتقدير لكافة المسؤولين ووجهاء المنطقة وعموم الناس الذين واسونا بوفاة الفقيد - رحمه الله رحمة واسعة -.
أسأل الله عز وجل أن يُصبّرنا ويُصبّر والديه وأسرته على فراقه، وأن يرفع منزلته في عليين، وأن يجعله من أهل الفردوس الأعلى من الجنة.
فهد بن عبد العزيز بن حمد الحميدة