أتيحت لي الفرصة أن ألتقي طوال هذا الأسبوع بعدد من الطالبات والطلبة المبتعثين في الولايات المتحدة الأمريكية، ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للابتعاث الخارجي.
ما شاهدته على أرض الواقع يحتاج إلى وقفات مع كثير من التأمل، إذ أننا مقبلون على أجيال مختلفة تماما عن الأجيال السابقة، هؤلاء ومن خلال الأجواء “الصحية” التي عاشوها في الخارج بدؤوا يعودون إلى أرض الوطن، مُحمّلين بالشهادات العُليا وبأفكار تحمل هموما وطنية لأجل التغيير ولأجل الإصلاح المجتمعي، ومعالجة الأفكار التي حملناها بأعراف وتقاليد دخيلة على ديننا الإسلامي، مع ذلك أصبحت دارجة، وباتت جزءاً من حياتنا وهناك من يلصقها بديننا! إننا أمام أجيال لن تتوقف، ولن تصمت، ولن تستلم، هذه الأجيال التي تسلّحت بالعلم والمعرفة، وامتلكت طرق التفكير المنطقي، هذه الأجيال لن تتقبل قوالب فكرية جاهزة تُجبر على قبولها، لأنها تسلّحت بالمنهجية السليمة في التفكير وتعلّمت التأمل والعقلانية من خلال التجارب التي يعيشها الإنسان خارج وطنه، يكفينا تجربة الغربة بكل ما فيها من إيجابيات وسلبيات، وما يرافق هذه التجربة من احتكاك بأشخاص ومعارف وعلوم مختلفة عن السائد.
ما رأيته في هذا الأسبوع الذي قضيته وسط أجواء احتفالية “صحية” في واشنطن هو عالم سعودي جديد، عالم فيه الفتيات والشباب سواسية لا فرق بين أحد منهم على أحد، ولا هناك تخصصات لن تدخلها الفتاة لأنها حكرًا على الرجال! في حفل تخرج الدفعة الخامسة في واشنطن، الكل كان في كامل سعادته، مسيرة التخرج يمشي فيها الشاب السعودي إلى جانب الفتاة السعودية لأجل هذا الوطن، لأجل البناء والتقدم دون أي وجل أو تردد، مضوا جميعا شامخين بشهاداتهم في مشهد متوّج بإطار من التجديد، داخل العادات والتقاليد المحافظة والاحتشام الراقي إذ يتخرج هذا العام من الولايات المتحدة الأمريكية 6000 طالبة وطالب، بشهادات متميزة ورؤى ناضجة لفتيات وشباب -حتما- سيُعيدون صياغة المجتمع، وسيغيرون من خارطة التوظيف التي تئن من وطأة الوافدين بحجة عدم التخصص! من اللافت في تلك الاحتفالية، المعرض الذي أقيم تحت عنوان: “يوم المهنة”، وهذا هو الرد العملي على ما يتردد حول عدم حصول المبتعثين على وظائف، في هذا المعرض حضرت 75 مؤسسة حكومية وخاصة، تحمل معها 5600 وظيفة، كان المعرض كخلية النحل الفتيات والشباب يتسابقون على الأجنحة وعلى غرف المقابلات الشخصية الخاصة بالتوظيف، وهذا ما يضمن لهم العودة بوظيفة من خلالها تتحقق الأحلام والطموحات ويُصنع التغيير الذي يبني قاعدة متينة للعطاء الذي هو وسيلة البناء والتقدم.
وتجربة هذا المعرض فريدة من نوعها، وأتمنى لو تعمم بحيث يطوف المعرض كافة الدول التي يدرس بها أبناؤنا، لأنه وسيلة لتعزيز الجهود ونهاية جميلة لتعب الغربة وكدح الدراسة.
من الأمور التي ينبغي الإشارة إليها، أن 23% من الخريجين هذا العام في الولايات المتحدة هن من الفتيات، وهذا بدوره سيعيد تشكيل التوظيف النسائي في الوطن، وفي توقعي خلال سنوات قليلة سنرى المرأة حاضرة في جميع القطاعات، ومثالا على هذا قطاع الخطوط السعودية الذي قام مؤخرا بتوظيف 50 فتاة سعودية، وشارك في معرض واشنطن في برنامج التوظيف النسوي بقطاع المالية، وهذا يُحسب للخطوط السعودية التي تأخرت في توظيف السعوديات.
إن القادم بإذن الله أجمل لأن كل تلك المشاهد تمنح على التفاؤل بمستقبل أجمل وأنقى، ومن القلب أقول: “أطال الله في عمر عبدالله بن عبدالعزيز”.
www.salmogren.net