تحقيق - راشد الزهراني:
تستخدم كلمات مثل «سوابق» أو «خريج سجون» لتقديم شخص لن يكون سعيداً حتماً بهذا التقديم، أو لوصف شخص قضى محكومية بين القضبان وعاد إلى مجتمعه ليكتشف أنه مازال مسجوناً بطريقة أو بأخرى، و»صحيفة السوابق» التي تسجل الحالات الجنائية هي جانب من جوانب تكريس هذه الوصمة التي لا تفارق صاحبها لتكون عبئا على حاملها حاضرا ومستقبلا وحتى بعد انقضاء فترة الحكم على ما ارتكبه، وظلت المسألة تشغل حيزا غير يسير من اهتمامات المسؤولين فضلا عن المتضررين، وربما يشكل تصريح لمدير السجون بإمكانية إلغائها ضوءا في نهاية النفق لأولئك الضحايا الذين يجأرون بمر الشكوى من هذه التبعة الثقيلة التي تكبل خطواتهم نحو غد جديد حتى وإن بدوا عازمين على التوبة وعدم العودة لذلك الماضي الكئيب، لكن ذلك النفق يحتاج أن يعرف أن الفرق بين الكلام والفعل، هو وحده من سيمنحه مشروعية الضوء.
المجتمع لا يغفر
يقول ( و م) لـ» الجزيرة»: «فعلا لقد أخطأنا وعوقبنا ونحن تائبون لله، ولكن المجتمع لم يغفر لنا وكأننا مرضى يخافون أن ننقل العدوى إليهم، فأنا شاب أحمل مؤهلا جامعيا، وفي فترة انتظار الوظيفة انزلقت إلى تناول الحشيش والمخدرات مع أصدقائي العاطلين، وبعض المخالفات الأخلاقية، وتم القبض علينا وكان السجن حيث تلقيت عقوبتي كما خضعت للتأهيل، ولكن بعد خروجي من السجن بات من العسير علي الحصول على وظيفة بسبب صحيفة السوابق».
و يضيف:« حاولت إسقاط اسمي من هذه القائمة السوداء فلم أستطع، وفكرت في الواسطة، وعلى الرغم من أن لي معارف كثيرين فقد كان من الصعب أن أتحدث إليهم عن هذه الصحيفة، فتكتمت على الموضوع حتى لا يفشى سري بين عشيرتي، وفي غضون ذلك تواصلت محاولاتي للعمل ولم اترك باب وظيفة إلا وطرقته، وحتى المؤسسات الأهلية تطالب بصحيفة السوابق، وكنت أرد كلما سألني قريب أو صديق عن الوظيفة بأن باب وزارة الخدمة المدنية مقفل».
وينبه آخر(ب.ن) إلى أن هناك الكثير من الشباب عاطلين ومنحرفين بسبب وجودهم ضمن القائمة السوداء ( صحيفة السوابق )، وعن نفسه يقول: تم قبولي للعمل بالخدمة العسكرية، ومع بداية الدورة ابلغوني بأن لدي مسبقة يجب إسقاطها من القائمة، لكن قسم الأدلة الجنائية أبلغني بأن المدة لم تنقض بعد، فطردت من العسكرية وتفرغت للأعمال الحرة بل غير الشرعية أحياناً.
السوابق تعيدنا للسجن
يبدو أن حال ( أ م ) لا يختلف عن المصير الذي انتهى اليه سابقه ( ب ن)، إذ يقول: قادني الشيطان للسرقة وحوكمت بالسجن وقد أعلنت توبتي والندم على ما اقترفته وبعد خروجي بدأت البحث عن عمل طوال ثلاثة أعوام، لكن كان هناك إصرار على صفحة الأدلة الجنائية، ثم وجدت نفسي منفذا لفكرة شيطانية جديدة كي أعيش لكنها أعادتني إلى السجن بالتهمة الأولى نفسها.
ذات المصير يتربص بالكثيرين، وهكذا فإن ( م ح) تفاجأ لدى حصوله على وظيفة - بعد خمس سنوات من خروجه من السجن - أن عليه أن يتركها بسبب أن الجريمة التي كان قد ارتكبها قبل عدة سنوات، لا تزال مسجلة عليه، يقول:»ولم أجد سوى الطرق غير المشروعة لسد الجوع، وكان طريق المخدرات».
السوابق ..اللواحق أيضاً
من الواضح أننا أمام دائرة مغلقة تقود من السجن وإليه، ولا بأس في هذا المقام من النظر إلى الأمر من الناحية الاجتماعية المعاشة قبل التعرف على وجهات نظر المختصين، حيث يدعو المواطن خليل القايدي الجهات المختصة في وزارة الداخلية إلى عمل آلية معينة بحيث يتم رفع السابقة تلقائياً» وبدون أي مطالبة من قبل صاحبها، هذا من جهة، ومن الأخرى يقترح القايدي حجب أي معلومات عن هذه السابقة عن أي جهة كانت، إلا بأمر خاص من أمير المنطقة المعني، أو من مساعد وزير الداخلية للشئون الأمنية حفاظاً على سمعة صاحب السابقة من تسرب المعلومات، وحتى لا تكون المعلومات مصدر ابتزاز وإذلال وتهديد لصاحب السابقة مشيرا إلى أن هناك من توفوا ولم تزل صحيفة السوابق حية.
الوظيفة..عربون تجديد الثقة
من جانبه يقول المحامي والمستشار القانوني عبد العال السلمي: لو نظرنا إلى دراسات أجراها أكاديميون ومختصون في الشأن الجنائي لوجدنا أن للجريمة علاقة في إعادة المجرم لجريمته، في المقابل فإن حصول المحكوم على وظيفة بعد إطلاقه يؤدي إلى التزامه بالعمل وبعده عن رفقاء السوء.
ولفت السلمي إلى أن بعض الجرائم البسيطة التي لا تبلغ عقوبتها ثلاث سنوات أو عامين أو جلد أكثر من 80 جلدة فهذه الجرائم لا تسجل، كما أن الحدود تسجل ما عدا حد المسكر، منوهاً بأن كل هذه الأمور روعي فيها جانب المواطن الإنسان أولاً وأخيراً لمنحه فرصة للاندماج.
في حين يعيد أستاذ علم لاجتماع الجنائي الدكتور سعيد محمود إلى الأذهان أن هذا الموضوع سبق وأن طرح على طاولة مجلس الشورى لدراسة اقتراح بإلغاء صحيفة سوابق السجناء وفق ضوابط معينة، بعد أن وضعت توصيات من لجنة مختصة تضمنت الإشارة إلى أن دراسة فكرة الإلغاء للصحيفة وافقت عليها وزارة العدل.
ورقة تعطيل ..تطوي التأهيل
وشدد الدكتور سعيد محمود على أن صحيفة السوابق تظل حجر عثرة في طريق التوبة بل وهدرا لجهود الإصلاح والتهذيب والتدريب المهني والتأهيل للسجين، حيث تنتهي كل هذه الجهود بالاصطدام ببوابات الحرية من السجن والانطلاق لمجالات العمل والإنتاج.
وأضاف: «في نظري أن مسألة صحيفة السوابق هي ضرورة أمنية لحماية المجتمع من المجرمين العتاة الذين يشكلون خطر الاعتداء على الأنفس والأعراض وأمن الناس الاجتماعي والفكري، لكني أظن أن اجتهاد التوسع في شمولية كل السجناء بوجود صحيفة سوابق هو الذي فاقم حجم المشكلة».
وقال: «ويبدو أن هذا قد يكون بسبب تداخل مفاهيم واجتهادات التفريق بين ما هو جناية وجنحة وشبهة، وهنا أيضا لا يمكن إغفال تعدد جهات إصدار الأحكام ومسببات التجريم، فما ذنب شخص أخطأ بسبب نزوة في مغازلة أو اختلاء أن يكون في نظر الحسبة صاحب سابقة؟ أو ما دخل مدين بقي في السجن بضع سنين لعثرة لا مجال فيها للنصب والاحتيال؟ أو حتى من تاب من جنحة مسكر أو تخدير؟»
ويضيف في السياق ذاته: «أعتقد أن الأصل في تجنب هذا الإشكال لا يخرج عن ضرورة تضمين الحكم الصادر بالسجن الإشارة إلى اعتبار ما صدر بشأنه الحكم يعد سابقة، هذا من ناحية، ومن الأخرى فلا أخال بعد حال المطالبة بتوحيد جهة التقرير في شأن الأمر أن يكون محل التحقيق لدى الشرطة سواء تم أمر القبض أو المداهمة من الحسبة أو الشرطة أو غيرها من سلطات مدنية، وألا يكون لهذه السلطات حق يخالف من له سلطة الحكم، ولا أربط هنا حال الجنايات بالقتل أو الإفساد في الأرض».
وأعرب محمود عن الأمل بخصوص هذه المسألة قائلا: وما دام الأمر قد رحل إلى مجلس الشورى مدعما بالتوثيق المنهجي البحثي والدراسي فإن الأمل غاية منتظر لتفعيل سرعة الاستجابة لمنع تنامي جريمة الأحقاد والضياع والتدمير المجتمعي.
اتجاه للإلغاء ..وانتظار
ومن جانبه أوضح مدير عام إدارة السجون بالمملكة اللواء الدكتور علي الحارثي بأن استمرار العمل بصحيفة السوابق نتج عنه أضرار اجتماعية واقتصادية ونفسية للسجناء المفرج عنهم، وقال:»إن ذلك يعد وأداً لكل البرامج الإصلاحية التي نسعى إلى تفعيلها داخل السجون، وفي هذا الجانب تم مخاطبة الجهات الرسمية المعنية بذلك ونحن بصدد إلغائها لضمان وضع اجتماعي أفضل للسجين». ولفت الحارثي إلى أن المجلس الأعلى للسجون اتخذ العديد من القرارات المهمة في اجتماعه الأول الذي عقد في رمضان 2007 منها مشاركة القطاع الحكومي في رعاية السجناء و تشغيلهم من منطلق مسؤوليته الاجتماعية.