من المؤكد أن وسائل الإعلام المختلفة، وبالذات الصحفية بنوعيها (الورقي والإلكتروني) تسعيان دائماً في ترتيب أولوياتها على السبق، والمصداقية، أو الموضوعية في الإثارة، والقوة في التناول. ولو طرحت استفتاء مجتمعياً على هذه الأولويات لوجدنا الكثير من المستطلعين سينحاز إلى (السبق) بطبيعة الحال، بصرف
النظر عن الموضوعية، أو الرصانة في الطرح. وربما كان هذا من البدهيات باعتبار أن العجلة، أو الاستعجال من الطبائع المستولية على طبائع البشر، الذين تقودهم المادة وتوجههم، رغم أنها في كثير من صورها مذمومة.
- بعض الصحف - وإن كانت قليلة على الساحة - لا تعتمد على السبق، أو تراهن على الإثارة، ولا على كثرة القراء، ولا على المبيعات، أو كثرة استقطاب المعلنين، بل تراهن على منهجية لا تغفل هذه المدخلات عموماً، لكنها تولي التثبت، والتحري، والموضوعية الشيء الكثير. ولهذا تحظى هذه الرزانة بتقدير واسع من صفوة المجتمع، حتى ولو لم يشكلوا أكثرية. وإذا أردنا أن نتبين حقيقة ذلك ونؤكده، فمقياس ذلك متابعة الجهات الحكومية ذات العلاقة لما ينشر والاعتداد به، ومعالجته، والتعقيب عليه، وصداه الواسع، خلاف ما ينشر في بعض الصحف.
- على النقيض، هناك صحف كثيرة قد لا يعير المسؤول كثيراً مما يطرح فيها، لأنه مطلوب منه التعقيب والإيضاح والرد - ليس على كل ما ينشر على الإطلاق - بل ما يكون موضوعاً للرأي العام، أو لا يكون فيه شيء من الصحة على الإطلاق، أما ما يكون منه مستبطناً على كثير من الحقائق، فالأولى المتابعة، واستصلاح الخلل، وإيضاح الحقيقة من خلال المنابر الإعلامية.
- بين فترة وأخرى تصدر بعض المؤشرات والإحصائيات عن متابعة الجمهور لبعض الوسائل الإعلامية، ونجد التباين في المواقع في كل مرحلة من مراحل التقييم، وتأخذ نتائج تلك الاستفتاءات صدى كبيراً، يتجاوز المعقول في بعض الانطباعات المستكتبة. وكنت أتمنى أن نخرج بلون آخر من تلك الاستفتاءات، أو التقييمات عن وضوح منهجية الصحيفة، ومصداقيتها، ورزانتها، وثقة الجمهور فيما تطرحه، فربما رأينا نتائج أخرى، تتغير فيها المواقع، وتتغير بعص الصور المرسومة عن بعض الصحف.
- ليس من الضرورة أن قلة عدد المتابعين، أو تراجع مواقع بعض الصحف، نتيجة خلل في المحتوى، بل إن مرد ذلك يعود إلى سببين:
الأول: قد يكون نتيجة لعدم التنوع في الموضوعات، أو التأخر في التناول، أوعدم المصداقية، أو نوعية الكتاب، أو شكل الإخراج، ونحو ذلك.
الثاني: هناك صحف تراهن على الكيف، فيتراجع عدد القراء من دهماء الناس، لكن يبقى للصحيفة مصداقيتها، اعتماداً على منهجيتها المتوازنة، فالمبدأ، واحترام عقول الناس وذواتهم هو المقدم على كل شيء، ومن هنا قل أن تتعرض هذه الصحف لمشكلات، لأنها تعتمد سياسة مدروسة مخططاً لها. إذن ذائقة القارئ، ومستوى تفكيره، وعمق ثقافته هو الذي يتحكم في مستوى التقييم.
dr_alawees@hotmail.com