كنت أراهن على شبابنا السعودي بمتانة عقيدتهم حيث نشأوا في أسر يحكمها الدين الإسلامي، ودرسوا ما لا يقل عن اثني عشر عاما مناهج شرعية تضاهي ما يتعلمه طلبة العلوم الشرعية في الجامعات الإسلامية. فقد تتلمذوا على مادتي التوحيد والفقه منذ الصف الأول الابتدائي وحتى نهاية المرحلة الثانوية، كما درسوا الحديث والتفسير والتجويد إضافة لحصص يومية من التلاوة والحفظ للقرآن الكريم.
أزعم أن من تعلم تلك المناهج الشرعية على مدى هذه الأعوام لن يحتاج قط لمن يفتيه في أمور دينه العامة، فحتى زكاة المواشي وما يخرج من الأرض من ثمار عرفها الطلبة والطالبات برغم عدم الحاجة لها إلا لمتخصص أو مهتم أو ممارس، كما تعلموا جميع أنواع الصلوات من الجمعة إلى الاستسقاء والكسوف والخسوف وحتى العيدين والجنائز، ومتى يقصرون الصلاة ومتى يجمعونها، وبرغم ذلك فإن أكثر الأسئلة التي ترد في برامج الإفتاء من المواطنين غالبا تكون عن أمور مرت عليهم في المناهج الدراسية.
ولا ريب أن السؤال عن شؤون شرعية غامضة من أوجب الأسئلة، وهي عادة متوفرة بحمد الله حتى على صفحات البحث الإلكتروني، ولكن بعض المستفسرين يرغبون بالإفتاء الشخصي الذي يستهلونه بعبارة (إني أحبك يا شيخ) !! حتى سأل بعضهم أحد المشايخ عن حكم قول المرأة هذه العبارة للمشايخ وأنه يجدر عدم قولها من باب الورع والتقوى، ودخلوا في جدل لم ينته، بل تشعب في أمور فرعية من السنن مختلف عليها حتى تفاجأ المشايخ ذاتهم بوجود فئة من شبابنا ملحدين، ولا يعترفون بوجود الله فضلا عن الإيمان بالقرآن والاعتراف بالرسالة المحمدية، فما بالك باتباع السنة !
فقد ذكر أحد المشايخ في معرض حديث له عن موجة الإلحاد في بلاد الحرمين، أنه عُقد اجتماع غير رسمي للعلماء من جميع أنحاء المملكة، وتمت مناقشة هذه الموجة الإلحادية، والتواصل مع هيئة كبار العلماء بشأنها، والسعي لتحويل الملحدين والمستهزئين بالدين للمحاكم الشرعية، وقد أرجع الشيخ السبب بانتشار هذه الظاهرة إلى (الانفتاح الإعلامي غير المراقب وكذلك أمْن العقوبة).
وليس أسهل من رمي التهمة على عواهنها والتخلص من دراسة الأسباب والمعطيات لنصل إلى نتيجة. ولعلنا هنا نطرح سؤالا بحجم الدهشة: برغم ضخامة المحتوى الشرعي في المناهج الدراسية ومدة سنوات التعليم) إلا أن قلة من أبنائنا يلحدون، فلماذا ؟! وهل مطاردتهم وتحويلهم للمحاكم الشرعية هي العلاج؟ وهل فعلا الإعلام هو من رسخها ؟ أم أن تلك الكوامن الإلحادية كانت مترسبة في النفوس ففجرها الإعلام وحسب، ونشرتها حرية التعبير ؟
الأمر يحتاج لدراسة متأنية، فهو إنكار لوجود رب عزيز كريم عادل رحيم رؤوف بعباده، لم نره ولكننا نعرفه بعلامات كثيرة وآيات بينات تدلنا على عظمته وقوته وحلمه وعفوه.
فلماذا يلحد أبناؤنا ؟!
rogaia143@hotmail.comTwitter @rogaia_hwoiriny