المتتبع للتاريخ يجد أن الحضارات السابقة على مر الأزمنة والعصور تشكلت بعد إرادة الله عز وجل من خلال إدراك كل فرد من أفراد المجتمع لمسؤوليته تجاه مجتمعه بغض النظر عن موقعه ومكانته, وذلك من خلال الاستفادة من الكم المعرفي الذي خلفته الحضارات السابقة, نظراً لأن مفكريهم وعلمائهم قاموا بدراسة هذه الحضارات وتفنيدها وإعادتها لأصولها لمعرفة أسباب ومسببات قيامها وكيف تشكلت حتى يبنى على الشيء مقتضاه, ثم قاموا بتطوير ما توصلوا إليه لكي تتلاءم مع العصر الذي يعيشون فيه, إدراكاً منهم بأهمية معرفة الأسس التي انطلقت منها هذه الحضارات في بناء حضارتهم, وذلك على غرار الحضارة (الغربية) الحالية التي تشكلت بفعل الاستناد على الكم المعرفي والتجربة التي خلفتها الحضارة (الإسلامية والإغريقية والرومانية والمسيحية) وأيضاً نتيجة للحراك الفكري والثقافي والفعل المؤسساتي بين أفراد المجتمع, وليس على غرار ما هو سائد في مجتمعاتنا التي تملك أسس التشريع الكوني الذي حث الإنسان على الفعل الحضاري في جميع أموره, ولكننا وللأسف لم نستطع أن نفعل الفعل الحضاري على أكمل وجه ولم نقدم حلولاً تسهم في تفعيل التفاعل المؤسساتي بين أفراد المجتمع للنهوض بمجتمعنا بطريقة حضارية, ولهذا فإن ما نراه من حراك أو من نتائج ما هو إلا نتاج الحراك الحاصل في مجتمعنا الذي لم يبنَ من خلال الاعتماد على الله عز وجل أولاً ولا الفعل المؤسساتي ثانياً ولم نستفد من الكم المعرفي الذي أنتجته الحضارات الأخرى بطريقة إيجابية ثالثاً, وانطلاقا من ذلك فإن كاتب المقالة يتمنى من الجميع وعلى رأسهم الأسرة ومفكري الأمة وعلمائها خصوصاً رجال المؤسسة الدينية والتربوية والتعليمية والجهات (الإعلامية) الإسهام بشكل واسع ومتعمق في توجيه الرأي العام لتحقيق الفعل الحضاري الذي يصبو إليه مجتمعهم, لأن كل الأمور في الوقت الحالي مهيأة لدفع عجلة الفعل الحضاري بكل أصوله وفروعه ومندرجاته بطريقة حضارية ليستطيع المجتمع حل مشكلاته بكل ظواهرها بطريقة إيجابية على غرار المجتمعات المتحضرة والتي استلهمت حضارتها من صنع البشر فكيف بنا ونحن نستلهم المنهجية لإعمار هذا الكون من رب البشر.