المدينة المنورة - خاص بـ(الجزيرة):
بما أن أعداد المغردين في برنامج التواصل الاجتماعي «تويتر» في المملكة العربية السعودية تجاوز ثلاثمائة ألف تغريدة يومياً، لأكثر من مليوني متابع على تويتر. فقد ظهرت اليوم على الساحة تغريدات تتضمن التطاول على الله سبحانه وتعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى الرموز الشرعية: كالصحابة والعلماء والأئمة والدعاة.... إلخ.
في هذا الحوار مع الداعية د. محمود بن محمد المختار الشنقيطي، عضو التوعية الإسلامية بالحج، وعضو مشروع تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم، نلقي فيه الضوء على هذه الظاهرة وفيما يلي نص الحوار:
* التطاول على الله سبحانه وتعالى، أو الرسول صلى الله عليه وسلم أو مقدساتنا، بدأ يُطل على مجتمعنا المحافظ من خلال تويتر، فهل يشكل ظاهرةً تستحق الوقوف عندها من الدعاة وأصحاب القرار من قضاة ومسئولين وغيرهم؟
- لا أشك في ذلك، وأَعراض هذا المرض الذي قد يصل إلى كونه ردة وزندقة وإلحادا والعياذ بالله، أعراضه بدأت تطفوا على السطح، وتَزْكم الأنوف في تحدٍّ سافرٍ لدين الأمة وشريعة الله عزوجل.
وقد حاولتُ تقصى وتتبع بعض التغريدات الإلحادية الكفرية التي تتضمن نكات استهزاء بالله وبالرسول صلى الله عليه وسلم وبالقرآن فسئمتُ مما فيها من الكفر.
ولا أتصور التطاول من قلبٍ مُليء لله توحيداً وإفرادا في أسمائه وصفاته ومعرفةً وتعظيماً وتوقيراً له جل جلاله وتقدست أسماؤه، وإنما يُتصور -التطاولُ- غالباً ممن كان في قلبه نفاقٌ اعتقادي قلبيّ، ولم يطمئن بلا إله إلا الله، شأن المنافقين والعياذ بالله، لأن الإيمان بالله وتعظيمه يحجزان ويمنعان من الوقوع في الكفر والردة والاستهزاء بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم وبشعائر هذا الدين حال الاختيار.
وليبشرْ المتطاول على الله سبحانه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم باللعن في الدنيا وبالعذاب المُهين في الآخرة: قال ربي عزوجل: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا}.
* لكن ألا ترون أن الرمي بالتكفير على كل تغريدة أو على كل مغرد فيه خطر على المسلم وفيه فتح باب فوضى على المجتمع؟
- أما من له حق تكفير الأعيان والأشخاص فهو القاضي أو العالم الذي عنده آلة الحكم على الأعيان بالكفر، وإخراج المغرد والقائل من الإسلام، وهو نوع اجتهاد وتحقيق مناط يحتاج ملكة وقوة علمية لا تتوفر إلا في كل أحد وليست لآحاد الناس.
وأما القول بأن هذه التغريدة كفر، فهذا لا يستلزم تكفيرالمعين والمغرد، وأنه مادام كلامه كفراً فهو كافر، فلا يلزم من وصف المقالة بالكفر والردة والزندقة أن قائلها كافر أو زنديق أو مرتد، ومنهج السلف الصالح هو التفريق بين القول والقائل، والفعل والفاعل، والتكفير بالوصف والتكفير بالشخص، فلا يلزم من كون المقالة كفرًا أن يكون قائلها كافرًا، فالتكفير له شروط وموانع فقد يمنع من التكفير جهل القائل، وتأوله، وكذا الخطأ، والإكراه، كما هو مقرر معلوم.
* من وجهة نظركم فضيلة الشيخ.. ما هي أسباب التطاول على الرب سبحانه وتعالى وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى رموز الأمة كالصحابة والقرآن والشريعة في تويتر؟
- أولاً: ارتفاع سقف الحرية في فضاء تويتر المفتوح، فبإمكان الشخص التخفي بشخصيته، ولا رقابة على التغريد ولا تصفية قبل وصول التغريدة أوالمشاركة إلى الجمهور، فالحرية لاشك أنها غاية عند كل البشر، وممارسة منضبطة في شريعتنا المهيمنة على كل شيء قال تعالى: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ}، وتُلغى إذا تعدتْ إلى حقوق الآخرين أو تعدت حدود الله التي حدها لعباده. وربما تكون كفراً مثل المناداة بحرية الكفر وانتقاد كل شيء بما فيه الله سبحانه والرسول صلى الله عليه وسلم، فسبحان الله حين يرتفع صوت الحرية المطلقة تفرّخ لنا مثل هذه الكفريات والعياذ بالله.
إن الحرية الحقيقية في الكفر بالطاغوت أيا كان آيديولجيةَ أو مذهباً فكرياً وضْعياً أو أي عبادةٍ غيرِ عبادة الله سبحانه، الحرية الحقيقية في العبودية لله تعالى وحده، وارتباط القلب بالله سبحانه في تصرفاته، ومن لم يستطع التخلص من عبودية شهوته وذاته وفكره، وتمرّد على الله تعالى فهذا اتخذ الإلحاد والزندقة والكفر هواه، وعبد نفسه أو عبد البشر أو عبد فكرة وضعية، وأشرك في الإلهية مع الله الذي لايُسأل عما يفعل.
ثانياً: الجهل بحكم التغريدة المتضمنة للكفر والردة مازحاً وهازلاً، فمن شبه الله الخالق أو شيئاً من صفاته بالمخلوقين أو المغنيين وأهل الطرب، فقد قرر علماء الإسلام بأنه كفر وردة حتى ولو لم يتعمدْه، ونصوص الفقهاء في ذلك مشهورة، ونقل الاتفاق على كفره بين المذاهب معلوم، ومنها: الإمام ابن قدامة - رحمه الله - في المغنى:
وقال: (ومن سبَّ الله تعالى كفر، سواءً كان مازحاً أو جادَّاً وكذلك من استهزأ بالله تعالى، أو بآياته أو برسله، أو كتبه، قال الله تعالى: (وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ).. وينبغي أَنْ لا يُكْتَفى من الهازئ بذلك بمجرِّد الإسلام، حتى يؤدَّب أدباً يزجره عن ذلك، فإنَّه إذا لم يُكتف مِمَّن سبَّ رسولَ الله? بالتوبة، فمِمَّن سبَّ الله تعالى أولى).
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى: (الشافعيّ). ت:676هـ
قال في «روضة الطالبين» في كتاب الرِّدَّة:(هي قطع الإسلام، وتحصل الرِّدَّة بالقول الذي هو كفرٌ، سواء صدر عن اعتقادٍ أو عِنادٍ أو استهزاءٍ ).
وقال: أبو عبدالله محمد بن أحمد القرطبي (المالكي) رحمه الله ت:671هـ بعد استشهاده بقول القاضي أبو بكر بن العربي في تفسير قوله تعالى: {وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ..} ولم يتعقبّه بشيءٍ. فقال: (قال القاضي أبو بكر بن العربي: لا يخلو أنْ يكون ما قالوه من ذلك جدَّاً أو هَزْلاً، وهو كيفما كان كفْرٌ، فإِنَّ الهزل بالكفرِ كفرٌ لا خلاف فيه بين الأمَّة. فإنَّ التَّحقيق أخو العلم والحقِّ، والهزْلَ أخو الباطل والجهل. قاله علماؤنا: انظر إلى قوله: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَال أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ}).. وقال زين الدِّين بن إبراهيم الشهير بابن نجيم (الحنفيّ). رحمه الله ـ:970هـ قال في «البحر الرَّائق»: (والحاصل أَنّ من تكلَّم بكلمة الكفر هازلاً أو لاعباً كفَرَ عند الكلِّ ولا اعتبارَ باعتقاده كما صرَّح به قاضيخان في فتاواه ومن تكلم بها مخطئاً أو مُكْرَهاً لا يكفر عند الكلِّ ومن تكلَّم بها عالماً عامداً كفر عند الكلِّ).
وفي الموسوعة الفقهيَّة الكويتيَّة»: (التَّكفير بالقول: اتَّفق العلماءُ على تكفير من صدر منه قولٌ مكفِّرٌ، سواءً أقاله استهزاء، أم عناداً، أم اعتقاداً لقوله تعالى: {قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ}).
ونقْلُ بعض الدعاة -هداهم الله- الخلاف في مسألة سقوط توبة الساب للرسول صلى الله عليه وسلم وتقريره عند بعض العامة والشباب ميّع القضية، وجرّأهم أكثر.. وسبحان الله!! كيف يستخفّون بربنا سبحانه وبرسولنا صلى الله عليه وسلم ولا تأخذنا غيرة وحمية؟ ويهون بعض الأفندية المدعين للوسطية من المطالبة بإقامة الحد! وفي إقامة الحد على المتطاول شفاءٌ لصدور المؤمنين، وزجْرٌ للغير من المغردين عن التعدي والتطاول مرة أخرى.
* ويوم تَسقط عظمة الله وتوقيره من القلوب ماذا يبقى من الشرع والدين؟
- إن حرية سب المقدسات والاستخفاف بها كما ينادي به الآن بعضهم بدعوى الحرية قبل الشريعة والقانون، هذه خرافة لم يقبلها الغربُ نفسُه في ظل ديمقراطيته المنفتحة التي يعتبرونها أنموذجا يُحتذى. فلم يقبلها دين ولا قانون في أي مكان في العالم. وفي أعرق مجتمعات الديمقراطية والعلمانية والليبرالية (فرنسا وبريطانيا وأمريكا) يوجد دائما مقدسات يحظر مسها كما أشارت له الكاتبة في مقالها: «خرافة اسمها حرية سب المقدسات».
وليس في نشر مثل هذه الأحكام تهوين لقواعد تعظيم التكفير، فقواعد تعظيم التكفير باقية، ولكنها ليست مانعة من تكفير من يستحق ذلك، ثم إن تقرير مثل هذه المسألة فيه تعظيم ٌ لنصوص الشرع في نفوس المغردين، وتحذيرٌ من الجرأة عليها بالتحريف لا سيما فيما يتعلق بصفات الله -تعالى- وتشبيهه بخلقه جل جلاله وتقدست أسماؤه.
وأنه يجب رصد وتتبع ثم فضح احتضان الشباب من جهات مشبوهة ليست مؤتمنه فكرياً ومنهجياً على الشباب، لها ولاؤها وتنظيمها الخارجي، والتساهل في التصريح لتجمّعاتهم ومقاهيهم ولقاءاتهم وأنديتهم فيه خطرٌ على المجتمع، لأنها تفرزُ منتجات ومخرجات على تغريداتها صبغة الزندقة والكفر والإلحاد، كما إن التذبذب والضعف وتمييع إقامة وتنفيذ الحكم الشرعي من الأسباب التي ساهمت في جرأة بعضهم على تغريداته المتضمنة للتطاول.
فتجد من الدعاة وأهل العلم يتأولون لبعض المتطاولين دون الرجوع إلى كتاباتهم وتغريداتهم وسجلاتهم في التطاول، يرفعون أصواتهم بفقه الرفق والرحمة في وجه المتعنّت المتعجرف، فتزيده الرأفة به هنا، إصراراً على الكفر وحنَقاً على الشرع والدين والمقدسات وعدم المبالاة بدين ولا شرع.
ولو نُفّذ الحكم العلني ولم تأخذنا رأفةٌ في واحد من هؤلاء المتطاولين، لتوقفت حالات ظهور التطاول والجهر بالكفر؛ ولهذا جاء عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: (إن الله ليزَعُ - بدون نون - بالسلطان ما لا يزَعُ بالقرآن)، أي: إن كثيراً من الناس لا تؤثر فيه القوارع ولا الزواجر بالقرآن ولا تُحرك فيه ساكناً، ولكن الخوف من العصا والسوط يؤدبه ويصلحه.
* وما هو علاج ظاهرة التطاول في نظركم؟
-1 تعميق الإيمان بالله تعالى وتعظيمه وتوقيره من خلال التعريف بمعاني أسمائه وصفاته وآياته، والتذكير دائماً بأحكام الاستهزاء بالدين وبالشعائر وحكم الردة وما يترتب على نقل وقول الكفر في الدنيا والآخرة مازحاً أو هازلاً أو ناقلاً.
-2 تعميق الشعور بالمسؤولية أمام الله أولاً، ثم أمام الناس والمجتمع عن التغريدة، وأن الكتابة لها حكم القول لأنها تعبير عن مافي القلب، فما يُستحى منه أمام الله وأمام الناس فلا ينبغى التغريد به. وكم من الناس مات وترك خيراً وتغريداً ينفع الناس تصله بها في قبره رحمات ودعوات:
وما مِن كاتبٍ إلا سيَبْلى
ويَبقى الدهرَ ما كتبتْ يداهُ
فلا تكتبْ بكَفِّكَ غيرَ شيءٍ
يَسُرّكَ في القيامةِ أنْ تَراهُ
-3 أعتقد أن الحجبَ فقط ليس حلاً جذرياً؛ لأنه إذا لم تتحمل هذه الشركة الراعية للبرنامج كل الضغوط عليها، هناك برامج ومنافسون يتحملون ويُضحّون من أجل فتح الباب على مصراعيه تحدياً لكل دين أو قانون أو شرع وتخطياً لكل الحواجز، لكن يضاف إلى الحجب، احتساب المغردين بمخاطبة مزودي الخدمة بحجب وحذف تغريداته، وجمع أصوات تعلن تضجرها وغضبها من أذى هذا المتطاول، وهذا يعتبره المزودون غالباً ويُصغون له، وكذلك مناصحة المتطاول نفسه، ليرجع ويتوب، خاصة لمن لم يظهرْ منهم تطاولٌ منَظّمٌ أو تاريخ سابق مع الإصرار في التطاول على الشريعة، فرجوعه وتوبته بعد تبين الحق له وكتابة تبرؤه من تغريدته التي تتضمن التطاول، واعتذارُه بما يصدّقُ عدم تعمده، كل ذلك - لعله - يمحو خطأه ويخفّف من لومه، كما قال الشاعر:
ليس من أخطأ الصوابَ بمُخْطىٍ
إن يؤُبْ لا، ولا عليه مَلامه ْ
حسناتُ الرجوعِ تُذهبُ عنْهُ
سيئاتِ الخَطايا وتَنْفى المَلامهْ
إنما المخطئُ المسيءُ من إذا ما
ظهرَ الحقُ لجّ يحمي كلامَهْ
-4 لا يُقتصر على الاستنكار أو التبروء الاجتماعي من المتطاولين، وإنما تُرفع دعوى قضائية احتسابية ضد المتطاول، وضد المنبر الإعلامي الذي يَنشرله، وأذْكُر قضيةً لمستهزئٍ ومتطاولٍ حدثت قريباً، رُفعت فيها أربعةُ آلاف دعوى أمام القضاء تطالب بالحكم عليه.
وهكذا فعندما تضعف سيادةُ الشريعة يكون الكفر حريةَ تعبيرٍ وثقافةً كتابية ً ليس إلا.
-5 سنُّ قوانين، وصدور أنظمة صارمة، ضد المتطاول، إذا حكم عليه القضاء كأن يفصل من عمله، والتغريم، وحجب مشاركاته وكتاباته لمدة معينة، والتشهير به، وإعلان مايترتب على ردته من تطليق زوجته منه، وإعلانُ إسلامه أمام القضاء من جديد... إلخ.
وأسجل هنا كلمة شكرٍ لشركة المراعي حين فصَلتْ مستهزئاً غيرةً وحميةً للدين.
نسأل الله الثبات على الدين وألا يزيغ قلوبنا، وأن يصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأن يدرأ عنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.