من حقنا أن نقلق من تداعيات ربيع الثورات العربية، بعد أن انجلت الأمور، ووصلت إلى مرحلة أشبه ببداية الانقلاب المضاد لتلك الثورات. فتعقدت الأمور على نحو مفزع، وأصبحنا ندور في حلقة مفرغة، لا ندري أين ستقف بنا؟ وساهمت تلك الحالة مع الأسف في استغلال المتربصين للأحداث؛ لينفثوا سمومهم، ويحققوا أهدافهم بعيدا عن تحقيق معنى «صناعة الاستقرار الوطني»، وتوفير الاحتياجات الأساسية لرجل الشارع، كالعمل، والسكن، والخدمات الصحية، والتعليمية، -إضافة- إلى ضرورة توفير البنية التحتية للنقل، والطاقة، والمياه، والتكنولوجيا الحديثة.
إن توفر وسائل الاتصال الجماهيري، ومستواه المقنّع، الذي نقل الحدث مباشرة من الشارع إلى جميع أنحاء العالم، كان عاملا أساسا في تفجير هذه الثورات، بشكل لم يتوقعه أحد، وقلبت موازين القوى رأسا على عقب، وكان الحراك أسرع في تحديد ملامح تلك الثورات، وتحقيق أهدافها، فحسمت أمرها عن طريق الزخم الإعلامي، والضغط السياسي؛ مما جعل بعض تلك الأنظمة تفقد فاعليتها، وثقتها بأدواتها، وكامل سيطرتها عليه. رغم كل التداعيات المتوقعة التي يعيشها العالم العربي اليوم، فإن المراقب للأحداث بحكمة، وعقلانية، يدرك أن ما تحقق على أرض الواقع حتى هذه اللحظة لا يتفق مع الآمال، والطموحات التي كانت الجماهير تتطلع إليها، لاسيما بعد مرور أكثر من عام، وما زال عالمنا العربي يعاني من تداعيات خطيرة، وقد أشار إلى بعض منها الأستاذ طلال قديح، عندما وصف أهم تلك التداعيات السلبية، بأنها: فوضى عارمة، تقلص فيها الأمن، والأمان، وكثرت التعديات على الأملاك العامة، والخاصة. ووجد اللصوص، وقطاع الطرق فرصة سانحة ؛ ليمارسوا أدوارهم بلا خوف، أو رادع حتى من ضمير. و»من أمن العقوبة، أساء الأدب». فنسمع باستمرار عن سلب، وقتل، ونهب، ومصادرة، يذهب ضحيتها الأبرياء الذين لا ناقة لهم، ولا جمل. ووصل الأمر إلى نهب المتاحف، والمجامع العلمية بكل كنوزها، وآثارها التاريخية الممتدة آلاف السنين. وبهذا يريدون سلخ الأمة عن تاريخها، وخلع جذورها.
وظهرت على السطح دعوات مشبوهة، تسيء للحمة الوطنية، والانتماء العربي، فجاهر البعض بالنيل من العروبة، والإساءة إليها بلغة واضحة، ما كانت، وما كنا نسمع بها على الإطلاق، بل ما كان أصحابها؛ ليتجرؤوا عليها، أو يعلنوها، ولكنها فرصة؛ لتستنسر بغاث الطير. كما ظهرت دعوات مغرضة للطائفية، والمذهبية، والعرقية في مجملها، تخدم أجندات أجنبية لأعداء العرب، وتعيق الحلم العربي في تحقيق الوحدة العربية، التي تهدد مصالح الأعداء، وتقوض تطلعاتهم في السيطرة على الثروة العربية المتنامية.
ومن تداعيات الربيع العربي، تردي الحالة الاقتصادية تجارة وصناعة وزراعة، وهروب كثير من رؤوس الأموال إلى الخارج؛ لتكون في مأمن من البلطجية، والشبيحة، ومن يقتفي آثارهم، ويحذو حذوهم.أما الحالة السياسية، فهي في أسوأ مراحلها، كل مشغول بهمومه، وما أكثرها، لا وقت لديه للتواصل مع محيطه العربي، والالتفات للقضايا المشتركة. وهذه قد تراجعت بشكل غير مسبوق، مما يعد انتصارا للأعداء، طالما عملوا من أجله، وبذلوا في سبيله كل إمكاناتهم، وأحابيلهم.
بقي أن أقول: لا يمكن وضع حلول سحرية لتلك الأزمة، إلا أن الأمر بحاجة إلى استنباط آفاق فاعلة، وقدرة على إصلاح المعادلة، ووضع الخارطة في بوصلتها الصحيحة ؛ لمواكبة متطلبات العصر الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لتلك الدول، إضافة إلى ضرورة إشراك مكونات المجتمع بكافة أطيافه في استكشاف سنن النجاح النسبي، حتى يكون بداية تحول اجتماعي إيجابي شامل.
drsasq@gmail.com