... أنهيت الوضوء، النية الاتجاه للصلاة في المسجد القريب من منزلي..
صوت الأذان يتردد في الأفق. السماء تودع النهار بعد أن أزهق الظلام الشمس. النجوم بدأت في التناثر. هبات الهواء الخفيفة ترقص أوراق الشجر. المحلات التجارية بدأت بإغلاق أفواهها إجبارياً، أصحابها يجلسون داخل المحل، أو بجانب الأبواب.
وصلت المسجد، كعادتي جلست في الصف الثاني الصف الأول مكتمل، كذلك الثاني، الصف الثالث وصل إلى النصف. الجالسون في الصف الأمامي بعضهم شباب وحتى أطفال، قبل سنوات كان جلوس الشباب فيه يغضب المسنّين فكيف بالأطفال، خاصة من لا يطلق لحيته ليتلاعب بها الهواء، أنا إلى الآن أرفض أن أكون في الصف الأمامي رغم وجود بعض الدعوات ووجود المواصفات؛ العمر يقارب الأربعين واللحية تنافس لحية الشيخ.
الشيخ تأخر، ألا يعلم أن هناك من ينتظره للصلاة جماعة.. إنه شيخ طيب، يعيش حياة التقشف، يرفض أخذ الأموال بأي اسم.
الساعة تقارب السابعة مساء، المسلسل بدأ الآن والليلة الحلقة الأخيرة، سيكشف أمر القاتل وينتصر «مفتاح الجلالي» على أعدائه وتعود له ثروته التي سرقت، مسلسل رائع.. استغفرك يا رب.
يا رب يفوز فريق العاصفة على فريق الريح، يا رب يوافق البنك أن يمنحني قرضاً لمدة خمس سنوات وبفوائد قليلة، يا رب هذه السنة يشمل النقل الدراسي زوجتي، يكفي عشر سنوات غربة وبهدلة.
«تررررن تررررن.. زييييد زيييد..»، أصوات «الجوالات» تعزف أنغام الحداثة، هذا الرجل العجوز دائماً يجلس في الصف الأول وفي هذا المكان، لا أعلم لماذا لا ارتاح لرؤيته؟..
ولكن لماذا لا يهتم بنظافة ملابسه وترتيب لحيته، مَن بجانبه يقرأ الدعاء بعد الصلاة، صوته ليس جميلاً، ويتعمد الإطالة في الدعاء. رأيته مرة يصرخ على ولده بطريقة إرهابية، “أعوذ بك يا رب من الشيطان الرجيم”، يا “مراد” مالك والآخرين، المهم القلوب والنيات وليس الشكل واللباس.
الشيخ لم يأت بعد، أمي أوصتني أن أحضر بعض الخبز والحليب واللبن والبيض والطماطم، آه يا طماطم أصبح سعرك ينافس سعر برميل البترول.. هذا الفتى وسيم، شعر أسود وناعم وخدود مثل الثلج، -ما شاء الله....- هنيئاً لأبيك بأمك.. هذا الرجل الذي يجلس خلفي، يبدو أنه محرقة دخان، رائحته تجبرك على الالتفاف خلفك، هل أنا مجبر أن أصلي جماعة، لماذا لا أصلي في البيت؟ ولكن في المسجد روحانية لا توجد في البيت.
“قد قامت الصلاة... قد قامت الصلاة”.