في اليمن حدثت مذبحة كبيرة راح ضحيتها نحو من مائة نفس، نتيجة تفجير انتحاري نفسه في جمع من جنود كانوا يتدربون استعدادا للاحتفال السنوي المعتاد. أمر محزن حقا أن يحدث ذلك، لكنه أمر كان وسبق قبله أمثاله وربما لا يكون الأخير.
كنت وما زلت وسأظل أتأمل في هذه المخلوقات البشرية التي تقدم على عمل إجرامي كهذا، مع أن الله قد منح الإنسان عقلا ميزه به عن باقي المخلوقات الأخرى، وليتدبر به الطريق السوي، ويعرف من خلاله الفرق بين الحق والباطل، والصالح والطالح. إنه ألم يؤرق النفس، ويلكم الجنان، ويدمي القلب، عندما يحدث هذا باسم الدين.
الدين الإسلامي العظيم الذي يحرم قتل النفس البشرية إلا بالحق، ويمنع قطع الشجر وقتل الحيوان حتى في الحروب. هذا الدين الذي قال المرسل به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” وليس من مكارم الأخلاق قتل الأبرياء، فيا لها من فرية عظيمة أن نقتل الأنفس باسمه وهو أجل وأسمى وأعظم دين نزل على البشرية جمعاء.
لنا أن نتخيل شابا في مقتبل العمر انضم إلى الجيش ليكسب قليلا من المال ليشتري به قوتا يسد به رمقه مع أسرته، ثم يأتي انتحاريا يسفك الدماء، ويؤتم الأطفال، ويرمل النساء، فينشر الحزن بين عدد غير قليل من النساء والأطفال والكبار والصغار، فياله من عمل دنيء خال من الرحمة والإنسانية.
هذا الانتحاري الذي قضى على نفسه وعلى غيره لم يكن إلا أداة بشرية استطاعت مجموعة ضالة أن توظفه لتنفيذ مآرب لديها. مآرب دون معنى وإنما إفساد في الأرض وتخريب، واستمتاع بالقتل لإثبات وجود قبيح غريب، لم يقع له نظير من قبل.
الحديث عن فكر هذه المجاميع أعطي حقه من البحث والتحليل والنقاش، ولن أضيف شيئا إذا أعدت ما قيل، لكن ما يجعلني أكتب هذه العجالة، هو أن هذا الفكر استمر مدة غير يسيرة، ولم يستطع العالم أجمع أن يجد حلا علميا لنزع ذلك الفكر من أذهان معتنقيه، أو على الأقل للحد من ذلك، وهو فكر موجود في بعض دول العالم، لكن والحق يقال إنه قد يكون في منطقتنا العربية أكثر من غيرها، مع أن الإسلام هو الدين الذي يعتنقه أكثر سكان بلادنا العربية، هو دين التسامح والمحبة والحفاظ على الأرواح والأعراض والأموال. وليس في تراث أمتنا العربية ما يجمل هذا العمل المشين.
هذه المجاميع ما زالت تستقطب عددا من الوجوه الجديدة، مما يعني أننا نحتاج إلى مزيد من نشر الوعي، والدفع بالنشء إلى التخلص من التعصب والكراهية والحقد على الآخر، ولن تكون وسائل الإعلام وحدها قادرة على تجنيب النشء هذا التيار، وإنما ممارسة ذلك عمليا بدءا من المنزل، فعندما يسمع الصغير والده أو والدته تصف مجتمعا أو فئة بالكفر والفسوق والفجور فلا بد أن يترسخ ذلك المفهوم في ذهنه ومن ثم يكون جاهزا للاحتضان من قبل قادة هذا التيار الضال، فيقع في براثنهم، ثم يجعلونه ضحية لتحقيق مبتغاهم.
محزن حقا أن نرى العالم يتسابق على البحث العلمي والعمل الجاد والإبداع في جميع مناحي الحياة، وفي نفس الوقت نستيقظ من نومنا لنشاهد في التلفاز أو نسمع عبر المذياع خبرا عن تفجير هنا وهناك في بلادنا التي شع منها نور الحق، ولهذا فما زلنا نستيقظ مقصرين في تربية النشء بدءا من الأسرة.