كنت قد تحدثت في مقالة الأسبوع الماضي عن نشاط مرتبط بالجمعيات الخيرية استخدمت فيها الفنون من خلال توظيف منتج يباع لصالح تلك الجمعيات، تحدثت أيضا عن نماذج سابقة قد لا تكون مشابهة إلا أنها تتفق في موضوع استخدام الفنون في استقطاب التبرعات. واليوم سوف أتحدث عن مناسبة أخرى تشرفت بحضورها هذا الأسبوع، وإن لم تكن مباشرة في مجال الفنون البصرية، ألا أنها صورت لي نموذجا حيا لموضوع مشترك وهو مصدر الرؤية أو الطابع أو الشكل للمنتج سواء أكان عملا فنيا أو تصميما داخليا أو حقيبة أو رداء. للسنة الثانية على التوالي تقام أمسية «ليالي عربية»، والتي تنظمها جمعية سند لمساعدة الأطفال مرضى السرطان لجمع التبرعات، وحقيقة أعتقد أن المناسبة حققت 3 أهداف هامة لا ترتبط برؤية الجمعية فحسب، وإنما بأهداف المجتمع ككل؛ الهدف الأول: بكل تأكيد هو في جمع التبرعات لصالح مساع خيرية مرتبطة بفئة بحاجة إلى عناية في هذا المجتمع، أما الهدف الثاني كان متمثلا في إعادة إحياء الفلكلور والتراث العربي عموما والسعودي على وجه الخصوص الذي يصيغ لنا هوية واضحة ومميزة أمام الآخرين في عصر بدأت فيه الفوارق بالذوبان، واستنسخ أبناؤنا الآخر حتى النخاع!، فكان البرنامج والمأكولات بل وحتى لباس الضيفات في الغالبية مرتبطا بتلك المعاني التراثية بشكل أو بآخر.
أما الهدف الثاني وهو الأهم في مجال تخصصنا هنا، ألا وهو الاستلهام من التراث بأسلوب معاصر يتماشى مع وقتنا الحاضر، وكان ذلك واضحا تلك الليلة من خلال وسيلتين، الأولى هي التصميم الداخلي لذلك الحفل والمبهج في استخدام مفردات من التراث بشكل مبتكر مع التنوع والخلط بأسلوب تميز بالانسجام، أما الوسيلة الأخرى فتمثل في عرض الأزياء للمصممة السعودية منيرة الذويب، وحيث إن تصميم الأزياء فن بحد ذاته لا يتخلف عن الفنون البصرية الأخرى في اعتماده على المهارة والابتكارية ومن ثم القدرات التسويقية، فنحن نتعلم من خلال الفنون المختلفة كيفية توظيف هذه الأساسيات لإنجاح العمل.
نجحت المصممة في إنتاج خط كامل من الأزياء المعاصرة بإيحاءات تراثية متنوعة من مصادر التراث العربي بشكل عام والسعودي على وجه الخصوص، جعلني أستشعر أهمية إظهار الهوية في أي مُبدع فني نقوم به، فما شهدته في تلك الأزياء هو اتجاه بدأ في الظهور بقوة بين الفنانين والمصممين في مجالات مختلفة، فيه نقلة وعودة للجذور والهوية بأسلوب معاصر وجميل، وربما تكمن في تلك المجموعة فضيلة أخرى لا تظهر سوى في مجال الأزياء ألا وهي «الاحتشام».
msenan@yahoo.comtwitter @Maha_alSenan