من القوانين المرورية المعروفة لدينا هو القانون الذي يسمح بالانعطاف يميناً حتى لو كانت الإشارة حمراء، ورغم أنه قانون مُريح وعملي إلا أنه لا يُطبق في كل مكان حول العالم، بل معظم الدول تضع إما قوانين تمنع ذلك أو شروطاً وعوائق، فبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي معظمها لا تسمح إلا في حالات قليلة حينما يكون هناك لوحة تأذن بذلك، وفي دول مثل اليابان وروسيا هناك إشارة مرورية خاصة بالدوران يميناً فلا تلف يميناً إلا إذا اخضرَّت، والدول تتباين في هذه القوانين وتضع ما يناسبها، فهذه القوانين تأتي وتذهب حسب الحاجة، لكن الطريف هو قصة الولايات المتحدة في هذا الموضوع، فالعطف يميناً عند إشارة حمراء مسموح به في كل الولايات الخمسين إضافة إلى الأقاليم التي تنتمي لأمريكا مثل جزيرتي «بورتو ريكو» و «غوام»، وقد كانت معظم الولايات قبل ذلك تحظر ذلك، ولكن بعد عام 1980م صارت كلها تسمح، فلماذا يا ترى جاء هذا التغيير الشامل في تلك السنة بالذات؟
السبب هو مشاكل الطاقة التي مرت بها أمريكا في السبعينيات الميلادية من القرن الماضي، فأولاهما هي أزمة النفط عام 1973م، ففي هذه الأزمة حَظَرَت عدة دول عربية تصدير النفط إلى أمريكا ودول غربية أخرى كعقوبة لنصرتهم للدويلة اليهودية في حرب أكتوبر من تلك السنة، وخَلَقَ هذا أزمة خنقت أمريكا لما طارت أسعار النفط إلى أعالي السماء، والنفط مسألة حيوية جذرية للأمريكان، ومن أسباب ذلك أن النقل الجماعي هناك مُهمَل عكس الكثير من الدول الأخرى في أوروبا مثلاً، وامتلاك سيارة شيء مهم ومُقدّس، لذلك تُعتبر أسعار البنزين من أهم مؤشرات رضا الناس عن حكومتهم في الولايات المتحدة، فإذا ارتفعت الأسعار هاج الناس وماجوا واضطرب وضع الإدارة الحاكمة، وإذا عادت الأسعار لمراحل مقبولة رضي الناس وعادوا لسابق حالهم وتنفس السياسيون الصعداء، لذلك لما أتت الأزمة صنع هذا مشاكل كثيرة، وظهرت نفس المشاكل مرة أخرى في الأزمة الثانية عام 1979م والتي سبَّبتها الثورة الإيرانية بما شملته من اضطرابات ومظاهرات ومشاكل سياسية واقتصادية بين البلدين، فلما بَرَزت هاتان الأزمتان صار على الأمريكان الاقتصاد الشديد في استهلاك الوقود، فظهرت عدة محاولات لإيجاد حلول بديلة، وكان منها اقتراحات تلقَّتها الحكومة بأن يؤذن للسائقين العطف يميناً عند الإشارات الحُمُر، وقد كان هذا موجوداً في بعض الولايات، فأوعزت وزارة المواصلات إلى الباحثين المتخصصين أن يبحثوا في شأن هذا الاقتراح، فلما درسه الباحثون وطبقوه وجدوا أن هذا القانون يمكن أن يخفف من استهلاك الوقود إلى درجة تبلغ 30%، وعلى ضوء نتيجة البحث هذا أجازت الحكومة الأمريكية للسائقين في كل الولايات أن ينعطفوا يميناً عند الإشارات الحمراء، وأفاد هذا فعلاً في تقليل استهلاك الوقود، خاصة عند شركات النقل والتي استبشرت (سراً) بهذا القرار، فقد كان من أسرار المهنة لديهم أن يحثوا سائقي شاحناتهم أن ينعطفوا يميناً قدر الاستطاعة، لأن وقوف السيارات والشاحنات أمام الإشارات الحمراء له سلبيات، فإذا ظللتَ واقفاً أكثر من 10 ثوانٍ والمحرك يعمل فهذا يُنضِب الوقود ويضر المحرك على المدى الطويل، وعليه فقد حثوا سائقيهم أن يُخططوا طريقهم مُسبقاً بحيث يملأونه بأكبر قدر ممكن من العطفات اليمينية وتفادي الانتظار عند الإشارات.
هذه قصة هذا القانون في أمريكا، فسبب القانون وجيه كما يظهر، وفي النهاية فإن الحاجة أم الاختراع!