العلاقة بين المسؤول والمواطن أيًا كان وبلا استثناء يجب أن تفعّل، ويجب أن تتم بصورة واضحة وشفافة وحميمة، بعيدًا عن البيانات والتصريحات والكلمات التي تصدر عن بعد ولا تلامس شغاف القلب، إن العلاقة المباشرة بين المسؤول والمواطن، والتماس المباشر، والتقارب، والجولات

الميدانية، وفتح الأبواب كما يفعل الكثير من ولاة أمرنا أيدهم الله، أمر مطلوب ويجب العمل به بدقة عالية ومتناهية، إلا أن بعض المسؤولين وخصوصًا -الصغار- للأسف الشديد لا يعملون بذلك ولا يتقيدون، بل يبالغون في صد المواطن وهجره والبعد عنه والاستهانة به، إضافة إلى شراسة الطبع والحدة والعصبية العالية والتعامل الخشن، وكأن المواطن عدو للمسؤول، وهذه أسوأ علاقة وأسوأ صورة من صور التواصل والتقارب والتلاحم، أن المسؤول الذي يستطيع الخروج من شرنقة التقوقع والبعد عن المواطن، إلى فضاء الحركة، في الشوارع، والأسواق، والمجالس العامة، والدوائر الحكومية، والأقسام، ومراكز الخدمات العامة، بتواضع، وهدوء، وسكينة، وبعيدًا عن المظاهر الزائفة والبراقة والخادعة، حتمًا سيسجل نقاطًا مضيئة وبارزة على الصعيد المعنوي، وسيثري رصيده بين الناس، ويقربه من قلوبهم، وستكون المحبة بينه وبين الناس من طراز فريد، وسيتمكن من إيجاد أرضية صلبة وواعدة في قلوبهم، إن الحركة الميدانية، والمتابعة اليومية، والاتصال المباشر بالناس وتفقدهم، ومعرفة ما يدور في القرب وفي البعد، والعمل على تذليل الصعوبات، وتعزيز دور الرقابة والوعي والأخلاق والقيم، كل هذه الأشياء تجسّد الروح الوطنية وترفع قيمها، وتجعلها زاهية، وتثبت عمق التطلع للرقي بالوطن، الأمر الذي يعود إلى مزيد من الاحترام والتقدير والتثمين من قبل المواطن للمسؤول، وسيظل المواطن يذكر ذلك المسؤول ويشكره بشدة، أن الحركة الميدانية التفقدية المستمرة والدؤوبة بعيدًا عن حياة المكاتب والفي والظل وأكواب القهوة وكأسات الشاي، هي الأصل الذي لا بد أن ينطلق منه المسؤولون ويبنون عليها خطواتهم العملية القادمة، إن التشرنق والتزام المكاتب بشكل كثيف ودائم ولصيق، والإصرار على المضي في دروب الاحتجاب والانكفاء عن المواطنين يُعدُّ ظاهرة سلبية للغاية ويكشف عن تراكم العقد المزمنة عند ذلك المسؤول، إن على المسؤول الحصيف المحترف أن يعمل بقوة لجذب المواطن ورعاية والعناية به والتلطف به واحتضانه والتوق إلى معرفة حقيقة أوضاعه، لا أن ينفره ويملأ قلبه بالأشجان والأحزان والغصص الكبيرة، إن على المسؤول أن يتحمل نقد المواطن وإن كان جافًا وحافلاً بالشدة، وألا يتبرم أو يستنكف، وأن يكون مستمعًا جيدًا ومصغيًا بدرجة عالية، وأن يفتح قلبه وسمعه وبصره، وأن يعي جيدًا بأن المسؤولية هي تكليف من ولي الأمر وليست تشريفًا، وهأمانة في العنق، وضريبة الوظيفة العالية، وليست امتيازًا ولا يجوز أن تكون كذلك تحت أي شعار، بل المسؤولية تعني المزيد من المتابعة والعمل لخدمة المواطن والارتقاء بالوطن، بعيدًا عن الفوقية والتعالي التي هي من أهم أسباب انعدام التفاعل بين الطرفين، إن العمل على تبسيط الإجراءات وتسهيل أمور المواطنين واختصار الوقت والتكاليف والجهد والعمل على قاعدة الالتزام والتقيد بالقوانين والأنظمة وعدم تجاوزها يجب أن تكون شعارًا يعمل به ويطبق، إن المسؤول الحقيقي هو الذي يحرر نفسه من عقدة الفردية والشخصنة في العمل فلا يستغل موقعة أو منصبة، فالمسؤول والمواطن مسؤولان معًا في الانضباط تحت سقف القانون والأنظمة والتشريعات، بعد هذا ومن أجل وطن يرفل بالمدنية الحديثة والزهو العالي والسبق الكبير والتفاعل المميز يجب أن يخرج المسؤول من شرنقة التقوقع إلى فضاء العمل.