النجاح في صياغة المواقف والسياسات واتخاذ القرارات الصريحة الواضحة مرهونٌ دائماً بالحنكة والحكمة... والنظرة الثاقبة في استشراف المستقبل.. والدعوة التاريخية التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- للانتقال بدول مجلس التعاون الخليجية من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد في كيانٍ واحد هي دعوةٌ صادقة مقرونة باستشعار خطرٍ حاضر وأملٍ في مستقبلٍ أفضل..
نبعتْ من قلبِ هذا القائد الفذِ الحكيم الذي أدرك بأن مواجهة التحديات والوقوف في وجه التهديدات التي تشهدها المنطقة يحتاج إلى قوةٍ تتمثل في كيانٍ وحدوي راسخٍ متماسكٍ قادرٍعلى خوضِ غمارِ التحديات والتصدي لها خاصة أمام أولئك الذين يُضمرون العداء لدول خليجنا العربي فيسعون للإخلال بأمنه واستقراره الداخلي.. أو الإضرار بمصالحه الحيوية على المستوى الإقليمي والدولي.
ولا شك أن مسيرة عملٍ تعاونيٍ مشترك امتد لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن... سعى خلالها قادةُ دول مجلس التعاون الخليجي لإرساء قواعد كيان هذا المجلس رغم كل العقبات التي واجهت مسيرته فاستطاع أن يتخطاها بفضل الله ثم بفضل الرعاية الكريمة.. والمتابعة المستمرة من قادة دول المجلس وجهود كل القائمين عليه كانت بمثابة صفعة قوية لكياناتٍ وقوى أخرى لم تعدْ خافية على أحد.
وفي ظل استمرار إطلاق التهديدات وعلى خلفية الظروف التي تحيط بالمنطقة ووسط كل المستجدات التي يشهدها العالم العربي... تأتي الدعوة التاريخية التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين حفظه الله لتعزز مكاسب مجلس التعاون وترسخ التوجه التكاملي له وذلك بتجسيد المسيرة التعاونية المشتركة إلى اتحادٍ في كيانٍ واحد لتلقى هذه الدعوة الترحيب الواسع من كافة أوساط مجلس التعاون لإدراكها التام بمدى الأهمية الإستراتيجية لدول مجلس التعاون والذي كان وما زال نقطة اهتمام!!! ومركز صراع من مختلف القوى الدولية.
قمة الرياض التشاورية قمة استثنائية.. هي قمةٌ لميلاد مشروعٍ اتحاديٍ يأتي في ظل تحديات وتغيراتٍ إقليمية تتطلبُ وحدة القول والفعل وينقل المنطقة إلى فضاءٍ أرحب من التكامل الاقتصادي والاستراتيجي لتوحيد الصف الخليجي ومواجهة كافة التحديات التي تعصف به وتحصينه من التهديدات الإقليمية التي يتعرض لها بين الفينة والأخرى... والوقوف على أرضية صلبة لمواجهة ما يعتري هذه الدول من مشكلات داخلية قد تواجه مسيرتها التنموية.. هذا عدا ما يمثله المشروع الاتحادي من إطارٍ لدبلوماسية موحدة قائمة على أسس ومعايير واعتبارات تحمل السمات المشتركة والمقومات الواحدة لتفعيلها في خدمة القضايا الوطنية والتواصل مع جميع القوى الإقليمية وحماية مصالحها الخليجية المشتركة والدفاع عنها في المحافل الدولية.
فهنيئاً لدول خليجنا العربي بهذا الإنجاز الكبير وهذه الخطوة الجسورة التي جسدت على أرض الواقع الرؤية الصائبة والحكيمة لدعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله وهنيئاً لشعوب دول مجلس التعاون الخليجي بتتويج هذه المبادرة التاريخية والتي هي بمثابة رسالة واضحة وصريحة مفادها أن الأصابع التي تنسج وترسم في الخفاء ستكون عاجزة تماماً عن مواصلة ما ترمي إليه لأن القوة ثمرة الاتحاد والاتحاد ثمرة التعاون.. حفظ الله خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.. ووفق جميع قادة دول مجلس التعاون الخليجي لما فيه خير وازدهار دول وشعوب خليجنا العربي.
zakia-hj@hotmail.com