لأن استقرار الإنسان يكمن في شعوره بأنه يفعل بالصواب.. ولأن المثالية - في المقابل - أمرٌ مستحيل منطقيا, فوقوع الأخطاء ضرورة لا بد منها حتى يستقيم العوج ونتعلم.. وحين يتصل البعض لاستحالة تحقيق الكمال مع كل هذه الانتكاسات والعثرات والجنوحات البشرية, والتي تميزنا كجنس بشري خطّاء. يعمد البعض إلى إنكار قصوره بصُنع أنموذج مقدّس يحوم حوله ويحميه من الشوائب, ثم يواليه ويستبسل في الدفاع عنه. تلك الاستماتة في حماية ذلك الرمز ما هي إلا استماتة في تلميع الذات في النهاية حين يكتشف عجزه عن بلوغ النصاعة الكاملة.
إن سقوط المثال يعني في النهاية سقوط القيم, مما يبعث الزعزعة في النفوس التي تعمد لتحقيق التوازن عن طريق المشي حثيثا في طريق المثالية..
غالباً الايدلوجيات العقدية تميل إلى الاستفراد بالنزاهة وحصر الحق لدى فئة دون أخرى, مما يولد نظرة دونية للآخرين، وبالتالي صورة مضخمة أكثر من اللازم للذات, تلك النظرة مكرسّة أكثر ما يمكن في الرموز الدينية التي تمثل الجانب الطاهر الذي لا يمكن بأي حال أن يجنح للخطأ أو يسلك سلوكا مجانبا للصواب..
لن أتحدث عن التاريخ، وكم صنع الإنسان لنفسه نماذج مُحكمة في مواجهة الباطل, حتى لا أنزلق في مغب الطائفية البغيضة.. لكني سأتأمل واقعنا المعاصر. ففي الآونة الأخيرة برزت تصريحات مخيفة من رموز دينية لا يقبلها عاقل. والجديد في الأمر أننا في زمن الميديا (صوت وصورة) لا مجال للتلفيق أو التهمة الباطلة.. ومع هذا ينفذون بجلدهم بسهولة لأن هناك حاشية كبيرة من (المُقدِّسين) يسعون حثيثا للحفاظ على ثبات مكانة المنزّه.
ليس من السهل أن تصحو فجأة وتعرف أن الحياة التي عشتها برمتها مبنية على باطل!. إنه لشعور مريع ومُزعزِع أن نكون على خطأ..
لذا يجب أن يبقى هؤلاء على أعلى درجة من البياض والقداسة حتى نبقى في حالة ثبات ويقين. لأن الشك مُعذب ومرهق وقد يصل بالبعض في حالات خاصة للانتحار أو ارتكاب الجرائم..
رغم أن الشك حالة صحية قد تعيدك للمسار الصحيح وتنقذ عقلك وحياتك من الانجراف ناحية التمادي.
من الرموز التي أسبغ عليها البعض صفة القداسة والتي لا أجد مبررا حقيقيا لها هو الرئيس السوري «بشار الأسد» فبرغم كل هذه الصور والفيديوهات التي تدمي القلب. وليتها كانت صورا لجرحى حرب ولا تكون لأطفال, ثقّب الرصاص أبدانهم الصغيرة وأحرقت النار أطرافهم ووجوهم..
وكما قلت لا مجال للتكذيب فنحن في زمن الميديا (صوتا وصورة)
لكن بعد كل تلك الصور يعمد البعض إلى إنكار أن يكون بشار الأسد سفاحا ابن سفاح, ليس هذا وحسب، بل يدعو له بالنصرة, لأن انتصاره يعني انتصار المنهج حتى لو على جلد الأبرياء ودماء الأطفال!
كيف اكتسب رجل بعثيّ يديه ويد والده من قبل مغسولة بدم الشرفاء كل هذا التقديس, لماذا يُهتف باسم قاتل للأطفال ويدعى له بالنصرة والتأييد؟. اتصال الأسد بلبنان وبالتحديد بحزب الله هو ما أكسبها صورة نقية لايجب أن تُكدّر.
فالسيد حسن نصر الله رمز من رموز المقاومة التي اكتسبت الكثير من التقديس من داخل وخارج لبنان. فإذا كان نصر الله وُضع في هالة قدسية ورفع لمقام العصمة لدى البعض, مبررين لذلك إنجازاته أو فصاحته أو كاريزمته. ماهو المبرر الذي يضع قاتلا للأطفال مُعذبا لشعبه في هالة موازية لولا قانون «جاور السعيد تسعد»..
منطقيا إذا كان (أ) على حق, و(ب) يوافقه فلا يمكن أن يكون (ب) على باطل.. لأن الحق والباطل لا يجتمعان.. هكذا تفكر وتقرر الآلة الميكانيكية المسماة «دماغ»..
اعتراف البعض بجنوح الأسد وبطلان طريقه هو اعتراف ببطلان كل شيء يتوافق معه.. شيئا فشيئا حتى يصل لبطلان الذات والمعتقد والحياة برمتها. وهذا أمر بحاجة لشجاعة كبيرة ولحظة اعتراف نادرة جدا..
محظوظ هذا الرجل ففي الوقت الذي يموت الواحد منا في سبيل أن يجد من يؤمن به وينصره ويؤيده, يُدعى له بالفوز والغلبة ويُتعامى عن يديه الملطخة بدماء الأطفال!..
ليس بشار الأسد وحده.. أنظر من حولك وابحث كم من الناس اكسبناه قداسة لا يستحقها.. قف قليلا..
أفِق.. وأكسر الوثن.
kowther.ma.arbash@gmail.com