دراسة تاريخية حضارية
تأليف الأستاذ راشد بن محمد بن عساكر - قراءة حنان بنت عبد العزيز آل سيف (بنت الأعشى)
الطبعة الأولى 1432 - 2011م - الرياض - دار درر التاج
منفوحة بلد تاريخي شامخ بارز، له مميزات نادرة، وسمات بارزة، والحديث عنها حديث مشوق، يأخذ بتلاليب القلوب، ومجامع النفوس، ثم هو عذب مسل ولاسيما في تناوله تاريخها وأمرائها ومن سكن فيها وعاش بين جنباتها، بدءاً بتاريخها الجاهلي القديم، وانتهاء بتاريخها الحديث وبين ناظري كتاب جد ماتع، وجد مفيد يؤرخ لتاريخ هذه المنطقة والأحداث الواقعية التي جرت على بساطها عبر أزمنة عديدة وسنين مديدة، وهذا الكتاب أسلفت لك اسمه واسم مؤلفه قبل برهة قصيرة، وتميز بتسجيل أحداث هامة، وأحاديث مهمة، وقد قام المؤلف - حفظه الله - بدراسة هذه الأحداث وتيك الأحاديث معتمداً على ما جاء مدروساً ومكتوباً عنها في الزمان البعيد، وكذلك اعتمد على التاريخ الحي المعاصر المسموع فأصغى إلى سكانها، وبنات لداتها، ومن عاش فيها، وسكن بين أطرافها، وذلك بالاتصال المباشر بهم، والسعي إلى الحصول على ما لديهم من وثائق ومخطوطات ومعلومات وهي كثيرة جداً بل فائضة وكان الباحث - راشد بن عساكر - يحتفظ بأصلها أو صورة منها في مكتبته الخاصة، والكتاب مهدى إلى الشيخ العلامة المؤرخ إبراهيم بن محمد بن عثمان - رحمة الله عليه - كما أن المؤلف-سلمه الله- شكر نخبة ممن اعتمد عليهم في جمع معلومات كتابه، وعلى رأسهم صاحب السمو الملكي الأمير المبجل سلمان بن عبد العزيز - يحفظه الله -:
ولما نزلنا منزلاً طله الندى
أنيقاً وبستاناً من النور حالياً
أجد لنا طيب المكان وحسنه
منى فتمنينا فكنت الأمانيا
هذا وقد ركزت الدراسة على الدور الذي لعبته منفوحة في التاريخ العربي قديماً وحديثاً، وتمحور هذا التناول على تاريخها السالف الذي سطرته وحفرته على صخور التاريخ، كما أنه تم التناول للأدوار السياسية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية والدينية التي لعبتها عبر حقب التاريخ، ومثلت نفسها فيها.
ثم إن هذه الدراسة تكشف عن نواح تاريخية وحضارية لم يشر إليها من قبل، حيث إن تاريخ هذه المنطقة بقي مطموراً غير معروف حتى لحظة ميلاد هذا الكتاب، غير معروف إلا لقلة من الباحثين والدارسين.
هذا الكتاب الذي كشف خمار تاريخ هذه البلدة ومدى خطورته عبر أزمنة التاريخ نحن في حاجة ماسة وشديدة إليه.
فنحن أحوج ما نكون إلى القراءة عن هذه البلدة وتاريخها الأشم، لنستطيع بلورة فكرة علمية عنها، وحسبك دليلاً على حضارتها أن الشاعر الجاهلي الأعشى قيس من لبناتها، ولداتها، وأثني لك بتسميتها فهي عربية قحة صرفة، يقول المؤلف - حفظه الله - في كشف ماهية التسمية ما نصه:
(تتفق آراء علماء اللغة والجغرافيين في أصل الاشتقاق لهذه التسمية: منفوحة، فمنفوحة اسم مفعول من النفح، وذلك لوقوعها في مهب الصبا، حيث تنفح منها الرياح التي تهب من مطلع الشمس، ونفح الطيب ينفح نفحاً أي أرج وفاح، ومن النفح قول الأعشى):
لما أتيتك أرجو فضل نائلكم
نفحتني نفحة طابت لها العرب
(ومن هنا فإن هذه التسمية نشأت من أن هذه البلدة في مقابلة مهب الصبا ونفحاته، وإنما سميت منفوحة من نفح الصبا العليل، وعلى الأخص فيما بين فصل الخريف والشتاء، حيث يهب نسيم الصبا العليل المنعش والمحبب إلى النفوس).
وأما الشكل المعماري الهندسي لهذه الدراسة فيقوم على النسق التالي:
الفصل الأول: الأوضاع السياسية والإدارية لمنفوحة في عهد الدولة السعودية، الفصل الثاني: الأوضاع السياسية لمنفوحة في عهد الدولة السعودية الثانية، الفصل الثالث: الحياة الاجتماعية، الفصل الرابع: الحياة الاقتصادية، الفصل الخامس: الحياة العلمية والدينية، الفصل السادس: المعالم العمرانية، هذا وقد تحدث المؤلف - حفظه الله - عن موضوعات شتى أكسبت الدراسة الصبغة العلمية البعثية، ومن هذه الموضوعات: الموقع جغرافياً وتاريخياً، قبيلة ربيعة بن نزار وتفرعاتها، العلاقة بين منفوحة والرياض قبل قيام الدولة السعودية الأولى، انعكاس الأحداث في عهد الدولة السعودية الثانية على منفوحة، السكان وفئاتهم، الهجرات البشرية، كما طرق موضوعات أخرى عديدة كالمدارس والكتاتيب وحلقات التعليم، والحدود العامة لبلدة منفوحة وأسوارها وأبراجها ثم زود كتابه بالصور لمعالم منفوحة مما أكسب الكتاب الحلية التوثيقية.
والكتاب الذي بين يديك قراءته - عزيزي القارىء - بذل فيه مؤلفه جهداً كبيراً، حيث استوعب فيه ما كتب عن منفوحة قديماً وحديثاً، درس أحداث المنطقة دراسة بحثية مؤصلة موثقة فائضة، كما قام بغربلة الوقائع والأيام والأخبار والأحداث.
والحقيقة التي أجلو غبارها هي أن المؤلف - سلمه الله - أسدى لمنفوحة يداً عجز غيره أن يسدي مثلها، فقد تفرد بهذا المصنف، واسترسل في هذا المؤلف، والكتاب أظهر تاريخها ونشأتها وتطورها، وهو من الكتب التي يشار لها بالبنان، وقد ملأ فراغاً ملحوظاً في حقل التاريخ الحديث المعاصر.
ويتبين لي من خلال القراءة في الكتاب أنه أي المؤلف أقبل على عمل شاق، يحتاج إلى جهد وتضحية وتعمق وصبر، فخاض غمار المعركة ونجح فيها، فإذا به فارس من فرسان الكلمة التاريخية فلله دره.
يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً
يشيدون لنا مجداً أضعناه
ومن الأمور المهمة الإشارة إلى العلم والعلماء، وهذا ناحية جد هامة لأنها تشهد على حضارة البلدة، وقد سار المؤلف على الخط الذي رسمه المؤرخ الكبير: شمس الدين السخاوي - رحمه الله - وذلك في قوله: (إن حوادث التاريخ عبرة وموعظة، ودرس وتجربة، توقف الدارس على عثرات الماضي،..... وإن أحسن ما يجب أن يعتني به المؤرخ بعد الكتاب والسنة، معرفة أخبار أهل العلم، الذين يجب أن نتتبع آثارهم، وندون مناقبهم وأخبارهم، ليكونوا وكأنهم ماثلون بين عينيك مع الرجال، ومعروفون بما هم به متصفون، فيتلوا سورهم من لم يعاين صورهم، ويشاهد محاسنهم من لم يعطه السن أن يعاينهم، فيعرف بذلك مراتبهم ومناصبهم).
وأخيراً:
فالكتاب بحث مستفيض في ماضي (منفوحة) وما تميز به هذا الماضي المشرق من سيرة حسنة، وجهاد عظيم، وسعي حثيث.
عنوان المراسلة: ص.ب 54753 - الرياض 11524 فاكس 2177739
hanan.alsaif@hotmail.com