لم أكتب يوماً حباً في شخصٍ أو كراهية له، لأني على يقين أن المحبة أو الكراهية تحجبان عين الراصد والمُوثق لمسيرة شخصٍ ما أو عمله عن رؤية الحقائق كما هي بموضوعية دون حياد، غير أن القيمة الأخلاقية حين يكون المرء صاحب قلم تفرض عليه أن ينتصر للحقيقة بعيداً عن خصومها خصوصاً حين يكون شاهداً مباشراً عليها.
لا أعرف وزير العدل الدكتور محمد العيسى عن قُرب لأكتب عن ماذا يفكر أو ينوي، كما أني كذلك لا أعرف نوايا الشيخ عبد المحسن العبيكان فيما قال وأهدافه ومنطلقاته، لكني على يقين أن ما شهدته وسمعته كرابع أربعة في وفد رسمي إلى المملكة المتحدة قبل أيام من خلال مناقشات ساخنة ومُعمَّقة مع وزارة العدل البريطانية ووزارة الخارجية وعدد من القضاة والبرلمانيين والمسئولين المرموقين يدحض ما ذكره الشيخ العبيكان جملة وتفصيلاً، ويعلم الله أني تأخرت فيما كتبت وما كنت سأكتبه لولا يقيني أن كلمة الحق حين تغيب ويكثر اللغط حولها فإن شهودها إذا كتموها يتحولون إلى مشاركين في الكذب والتزييف أكثر من المدّعين بغير هُدى ولا دليل.
ما أثار استغرابي حين سمعت كلام الشيخ العبيكان - هداه الله - أن أدلته إزاء سيل التهم الشنيعة التي أطلقها لم تتجاوز ترّهات كُتبت هنا وهناك في مواقع هامشية أو صفحات تواصُّل اجتماعي بعيدة عن التسبيب القضائي الشرعي الذي يُفترض بقاضٍ سابق - حتى وإن كُفَّت يده لأي سبب كان - أن يُقدمه كنموذج لحكمه وتقديره، لم يقل الشيخ العبيكان كلاماً جديداً لم نسمعه من المتطرفين والقاعديين سابقاً عن كل مؤسسات الدولة تقريباً، لكن استغلال الشيخ العبيكان لحظوته الإعلامية ومنصبه الرسمي لتأليب الرأي العام على مؤسسات الدولة أو مسئوليها مؤشر خطير وسابقة لا يمكن تجاوزها.
الحديث والاتهامات التي كالها الشيخ العبيكان دون دليل تُصنَّف من وجهة نظري من تهم الإخلال بالأمن الوطني وما لم يقم الدليل على ثبوتها فإن خصم الرجل هو الوطن والمواطن، فالوطن الذي أسسه الملك عبد العزيز - يرحمه الله - على كلمة التوحيد وانقاد له الناس رضا ومبايعة لا يُمكن المساس بعقيدته وشريعته وتشكيك المواطنين بمؤسساته وفق هذا المستوى دون إثبات قاطع نصطف كلنا مع الشيخ العبيكان لمواجهته والوقوف ضده، أو محاكمة عادلة وعلنية يعرض فيها كل أدلته لتتعزز ثقة المواطن في مؤسساته وأعلاها المؤسسة القضائية، وقد أعفى خادم الحرمين الشريفين الرجل بالأمس - في قرار متوقع - من مسؤولياته كمستشار في الديوان الملكي بعد تفريطه في مسؤولية الكلمة وأمانتها، وما لفت نظري في أمره - حفظه الله - الإشارة إلى ما عرضه سمو ولي العهد وهو ما يُوضح الرؤية الثاقبة للقيادة الحكيمة في التّعاطي مع مثل هذه التصريحات التي تحمل أبعاداً سلبية تنعكس على الأمن والاستقرار السياسي والاجتماعي الذي لا ينبغي التهاون مع العابثين به.
أخيراً، لو لم أكن عضواً في الوفد السعودي إلى المملكة المتحدة ومسؤولاً عن عدم إفشاء ما جرى من محادثات لسردت من الحوارات والمناقشات التي جرت على لسان وزير العدل في غرف مغلقة دفاعاً عن الشريعة والوطن ما لا يملك له الشيخ العبيكان إلا الاعتذار أو الموت كمداً وندماً على ما ذكر، وإن كنت لا أزال آمل في ندمه وتصحيح ما أسرف على نفسه فيه.. ولعلي في قادم الأيام أتوسّع في ذكر جزء مما وقفت عليه بنفسي ليس نقلاً عن طرف ثالث.. بل شهادة حق سمعتها وشهدت تفاصيلها شخصياً..
دمتم.. وإلى لقاء.
fahadalajlan@