يثق المواطنون كثيرًا بالأطباء السعوديين العاملين في المستشفيات الحكومية، ويعدّونهم الأفضل بين أقرانهم. تميز المستشفيات الحكومية بأطبائها يوفر للمواطنين خدمات صحية مجانية تُغنيهم عن خدمات المستشفيات الخاصة المُكلفة، وتهون عليهم قصور خدمات التنويم؛ إلا أن تلك الأفضلية باتت مهددة بالزوال بسبب تسرب الأطباء من المستشفيات الحكومية إلى المستشفيات الخاصة لأسباب مالية صرفة.
أصبح الأطباء السعوديون هدفًا للمستشفيات الخاصة التي استفادت من التأمين الصحي في زيادة مواردها المالية، وتعظيم أرباحها، مما جعلها قادرة على رفع أجور الأطباء وزيادة حوافزهم بما يفوق ما تقدمه وزارة الصحة مما أثر سلبًا في نسبة دوران العمل في القطاع الصحي الحكومي. تخسر الحكومة مرتين إذا ما فقدت ايًا من أطبائها المتميزين؛ تتمثل الخسارة الأولى في التكلفة التي تحملتها الدَّولة لتعليم الأطباء وتدريبهم، والخسارة الثانية تدني مستوى الخدمات الصحية المقدمة في المستشفيات الحكومية التي تنعكس سلبًا على المواطنين.
الأجهزة الحكومية المُختلفة قد لا تتيح لمتخذ القرار في وزارة الصحة مساحة كافية لمنافسة القطاع الخاص في المرتبات والحوافز، إلا أن حماية (أصول) المستشفيات الحكومية، المتمثلة في الأطباء، وتقديم مصلحة المواطنين ممن لا يستطيعون تحمل فواتير المستشفيات الخاصة الباهظة، وهم الأكثرية، على ما سواها، تستدعي تحرك وزارة الصحة الدائم لمراجعة الرواتب والحوافز المالية وتحسين بيئة العمل وبما يضمن بقاء الأطباء السعوديين في مستشفياتهم الحكومية.
وزارة الصحة نجحت مؤخرًا في الحصول على بعض الحوافز المالية لأطبائها، مما أسهم في حمايتهم من التسرب، إلا أن تلك الحوافز لم تُعد كافية مع استمرار الفوارق المالية بين ما يتقاضاه الأطباء في المستشفيات الخاصة مقارنة بالمستشفيات الحكومية؛ وللأمانة، فوزير الصحة ما زال يتبنى مزيدًا من قرارات التحفيز التي تحتاج إلى تفهم أكبر من الوزارات الأخرى ذات العلاقة، والمؤثرين في اتخاذ القرار النهائي.
جريدة «الوطن» نشرت خبر «تبنى وزير الصحة؛ الدكتور عبد الله الربيعة؛ مقترحًا باستمرار منح العلاوات السنوية للأطباء القائمين على رأس العمل في الأجهزة الصحية الحكومية الذين تفوق أجورهم ومزإياهم ما يستحقونه بموجب الكادر الصحي»؛ العلاوات السنوية جزء من الحوافز المالية المهمة التي تحقق الكسب المادي، والدعم المعنوي للأطباء المتميزين؛ وتنتشلهم من حالة الإحباط التي تصيبهم حين توقف حوافزهم المالية برغم تطور خبراتهم، وكفاءتهم وتفانيهم في أداء العمل. الخبر أشار إلى أن أكثر من 38 ألفًا من العاملين في الكادر الصحي سيستفيدون من القرار، وهذا أمر جيد ولا شك؛ ويساعد في زيادة دخل الأطباء ويقلص الفوارق المالية في الدخل بين القطاعين الخاص والعام؛ إلا أن الاستمرار في تحسين حوافز الأطباء أمر غاية في الأهمية، وهو ما أتوقعه من وزير الصحة.
إضافة بعض الحوافز (البدلات) لمكونات الراتب التقاعدي؛ وعلى رأسها (بدل التفرغ) قد يساعد في تحفيز الأطباء، وهو ما أتمنى أن تعمل من أجل تحقيقه وزارة الصحة؛ ضم بدل التفرغ إلى مكونات الراتب التقاعدي سيحفز الأطباء؛ فمنعهم من العمل في القطاع الخاص خارج أوقات الدوام يحد من إمكانية تحسين دخلهم المالي، ومن الواجب تعويضهم عن ذلك بإضافته إلى الراتب التقاعدي، إضافة إلى إعادة النظر في سياسة المنع التي أضرت بكثير من الأطباء، تحسين بيئة العمل أمر غاية في الأهمية، وأنصح الوزارة بتحقيق مبدأ الدمج بين الحوافز المالية والحوافز المعنوية الأخرى وعلى رأسها بيئة العمل.
جهود وزارة الصحة في تحسين حوافز الأطباء المالية ستُسهِم؛ بإذن الله؛ في تحسين أداء الأطباء ومساعدتهم على البقاء، ووقف التسرب، وتطوير الخدمات الصحية الحكومية بما ينعكس إيجابًا على صحة المواطنين وسلامتهم.
f.albuainain@hotmail.com