يصدم القارئ والمتابع وهو يطالع إحصائيات مخيفة بل مقلقة، وهي أرقام فلكية تحكي مأساة الحوادث المرورية في شوارعنا وعلى طرقاتنا.. وأن القلب ليتفطر ألماً والعين تدمع أمام مآسي وكوارث المركبات.. وليت الخسارة مادية لهان الأمر رغم أننا نهينا عن الإسراف.. ولكن الأدهى والأمر أن هناك خسارة لا تقدّر بثمن.. أرواح بشرية تودّعنا يومياً هنا وهناك.. ويبدو أنّ إخوتنا في الهلال الأحمر لم يَعُد لديهم الرهبة الأولى من قشعريرة أمام فواجع متكررة يباشرونها.. وربما أحدثت لديهم مناعة مكتسبة لمواجهة المواقف.
حوادث أفرزت لدينا فئة غالية من المعاقين والمشلولين ويتّمت أطفالنا ورمّلت نساءنا، إنّ هذه الظاهرة (حرب ضروس) من نوع آخر أبطالها خاسرون وليس لها عدو معلوم.. وربما نحن بقيادتنا العشوائية وسباقنا المجنون وعدم مراعاة حقوق الطريق وسلامة الآخرين، إلى جانب عوامل أخرى مساعدة على (انتحار المركبات).. وكل هذا جعل جولة في أرض الوطن هاجساً مخيفاً وأمنية غالية تحيط بها المخاطر.. وكأني أتذكّر بيتاً من قصيدة أبي البقاء الرندي وهو يرثي الأندلس قائلاً:
دهى الجزيرة أمر لا عزاء له
هوى له أُحد وأنهد ثهلان
وإنّ هذا الأمر والخطب ليس مرضاً فتاكاً ولا عدواً في ساحة حرب.. لكنها مركبات تعبث بنا وتقلق مضاجعنا.. وتصنع مآسي وأحزاناً داخل بيوتنا.. فهل من سبيل أن نرحم أنفسنا ونحاول جاهدين أن نخفف من شبح يطاردنا اسمه (الحوادث المرورية)، وإننا بالعزيمة والإصرار وتطبيق النظام والوعي العام نختزل جزءاً من كوارثنا المرورية، وحقاً سنشعر بسعادة غامرة وإنجاز جميل ونتقدم خطوة بل خطوات بالاتجاه الصحيح.
وإنّ إضافة مادة التوعية المرورية ضمن مناهجنا الدراسية غاية جميلة لها بعد اجتماعي وإعلامي، إلى جانب إقامة معارض دائمة للتوعية المرورية بالمناطق بأخطار المركبات وحوادث السيارات لهو مطلب أساسي بعكس ما هو حاصل الآن واقتصاره على أسبوع واحد، كما أطرح فكرة قد أرى أنها من الصعوبة تطبيقها وهي اختيار السائقين المثاليين على مستوى المناطق ليتم تكريمهم سنوياً في مهرجانات جماهيرية.. هذا وصانع القرار المروري لا يخفى عليه أهمية النقل العام وزيادته وعدم حكره على شركة مشغلة واحدة، فهو عامل قد يحد من الفردية في استخدام المركبة الصغيرة لا سيما إذا توفرت في مركبات النقل العام الكبيرة وسائل الراحة والسلامة وكان ولا يزال هناك أصوات عالية تدعو إلى ذلك.. إلى جانب مستقبل القطارات الواعد في المرحلة القادمة، فهي جزء من حزمة حلول أولية نرجو أن ترى النور عاجلاً لا سيما أن الانفجار السكاني قادم لا محالة، وقد يجعل الأزمة أكثر تعقيداً ويجب أن تدرس على مستوى عال.. والجميع يعلم أن اختناق الطرق بملايين السيارات أشبه بـ(تسونامي صحراوي) ربما كانت له مضاعفات الله بها عليم.
أما نحن من نجلس خلف مقود المركبة لماذا دائماً نبحث عن سرعة الوصول إلى الهدف على حساب سلامتنا؟!!.. ولماذا لا نخطط لوقت الرحلة وننطلق في وقت مبكر ونجعل الطريق سياحة وليس عذاباً.. ثم إلى متى نكسر حاجز السرعة المقررة وكأنّ لوحاتها في الطريق لا تعنينا؟!!.. بل إلى متى نحول طرقنا إلى حلبات للسباق.. تساؤلات عديدة إجابتها مع الأسف سلبية.. كما هل يعلم كل منا أنه يحرك قنبلة موقوتة وربما ملئت بوقود البنزين سريع الاشتعال! والذي يشكل خطراً أثناء وقوع الحادث.. ناهيك أن بعض سياراتنا (لم نعقلها) ولم تفحص قبل السير عليها أننا مع شديد الأسف لا نندم إلا بعد فوات الأوان وبعد أن يقع الفأس بالرأس.
أن آباءنا وأمهاتنا أصبحوا لا يهنأ لهم المنام حتى يشعروا أن أبناءهم قد استقروا في منازلهم سالمين كل يوم بعد رحلة صباحية ومسائية.. وجميعنا يدرك أن فئة المعلمين والمعلمات العاملين في القرى والهجر النائية، وكذلك الطالبات والطلاب المنقولون لهم أكثر عرضة (لحصادة البشر) وكأنهم ينطقون الشهادة ويدوّنون الوصية وكل يوم يُكتب لهم عمر جديد، ولا نعرف كم رقماً ثابتاً لكابوس الحوادث لأنّ مكنة الإبادة البشرية لا تتوقف، وهذا قدر الله ولكن تبقى أحزان جارية نودع من خلالها عزيزاً أصبح رقماً في خانة المتوفين رحمهم الله جميعاً.. وتبقى ظاهرة الفواجع تبحث عن حلول عاجلة من صاحب القرار الكبير لعمل ما يلزم تجاه تخفيف آثارها.. حفظنا الله من كل مكروه وجعل أيامنا أفراحاً سعيدة وأبعد الحزن والهم عن أهالينا إنه سميع مجيب وإلى اللقاء.
- الرس
Rasheed-1@w.cn